للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأغراض الداعية إلى ذلك كثيرة لا تحصر، فمنها ما هو بَيَانٌ لفكرةٍ ومنها ما هو الأفضل في التعليم، ومنها ما يُحقّقُ فوائد تربوية ومنها جماليٌّ فنيٌّ، إلى غير ذلك.

ومن أساليب العرب أن يَبْدؤوا في المدح بالصفة الدّنيا، ثمّ يرتقوا إلى الأعلى فالأعلى، وأن يبدؤوا في الذّم بالصفة الأَخَسّ، ثم يذكروا الأخفّ فالأخف.

وجاء في تعبيرات القرآن المجيد تقديم الأشياء الصغيرة على الكبيرة، للدلالة على تأكيد الشمول، من خلال الإِشعار بالاهتمام بالصغير، وأنّه ليس مما يُهْمَل ويُتَسامح بعدم العناية به، كما يقول البائع هذا بخمسةٍ وألف، فيقول الراغب في الشراء، ألا تبيع بألف، فيقول له: الخمسة قبل الألف.

ومنه قول الله عزّ وجل في سورة (القمر/ ٥٤ مصحف/ ٣٧ نزول) :

{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ} [الآيات: ٥٢ - ٥٣] .

فدلّ تقديم "صَغير" على أنّ الشُّمُول في كتابةِ كلّ الأفعال متحقق دون استثناء ما يراه الناس صغيراً ومن المحتقرات.

وجاء في تعبيرات القرآن البدء بما يقَعُ في مُدْركات الناس من الأشياء الصغيرة، والعطف عليها بما هو أصغر منها، فما هو أكبر منها، فقال الله عزّ وجلّ في سورة (يونس/ ١٠ مصحف/ ٥١ نزول) :

{وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك ولا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الآية: ٦١] .

إنّ المخاطبين من جماهير الناس لا يعرفون أصغر من الذّرَة، فبدأ القرآن بها، وأبان لهم بالعطف عليها أنه يوجد ما هو أصغر منها، وهنا ينطلق الذهن في المصغرات إلى مقدار يستحيل تقسيمه ذهناً، وعطف عليه بعد ذلك ما هو أكبر،

<<  <  ج: ص:  >  >>