للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن نقول: القائلون بمفهوم المخالفة متفقون على أنه دليل ظاهر، إنما يعمل به إذا لم يعارضه دليل أقوى من نص، أو إحماع، أو مخالفة دليل قطعي عقلى، أو بديهة.

ولا شك أنك إذا قلت: في الشام الغنم السائمة، لم يدل على أن لا سائمة في العراق، وإنما لم يدل: لأنه ظاهر عارضه قطعي، وهو الإجماع، والتواتر، وبديهة العقل على أن في غير الشام من البلاد سوائم.

ألا ترى أنهم تركوا المفهوم في قوله: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: ٣٣]، مع كونه إنشاء: لأن الإجماع عارضه.

وإذا علمت هذا علمت سقوط ما ذكره والد المصنف من إنكار المفاهيم في كلام غير الشارع، معللًا بأن الشارع منزه عن الذهول، والغفلة بخلاف غيره (١).

وإنما كان ساقطًا: لأن الكلام في دلالته لغة، وقد تحققتَ قبل هذا أن الدلالة التفات النفس من اللفظ إلى المعنى، ولا دخل لإرادة اللافظ فيها، ولا لشعوره، والتخلف في بعض الصور إنما هو بواسطة مانع، أي: معارض أقوى.

وظهر -لك أيضًا- الجواب عن قول إمام الحرمين: وهو أن الوصف إنما يعتبر حيث ناسب الحكم، فأما إذا لم يناسب، كما إذا قيل:


(١) قلت: مذهب والد المصنف عكس مذهب الأحناف، فإنهم ينكرون مفهوم المخالفة في كلام الشارع فقط، وأما في مصطلح الناس، وعرفهم، فهو حجة عندهم، راجع: تشنيف المسامع: ق (٢٧ / ب)، وهمع الهوامع: ص / ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>