للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لذلك اعتبرت شروط الواقف في الوقف.

قال المؤلف: (ولِلمُتَولِّي عليهِ أن يأكلَ منه بالمعروفِ)

للحديث الذي تقدم عن عمر رضي الله عنه، للمتولي عليه: أي القائم على الوقف، الذي يكون مسؤولاً عن الوقف؛ له أن يأكل من الوقف بحسب المتعارف عليه بقدر ما يحتاج إليه.

قال أهل العلم: (لا جناح) أي: لا إثم (على من وليها) أي: قام بحفظها وإصلاحها (أن يأكل منها بالمعروف) بأن يأخذ منها قدر ما يحتاج إليه قوتاً وكسوة (أو يطعم) أي: أهله أو من حضره (غير متمول) أي: مدخر، حال من فاعل وليها (قال ابن سيرين - رحمه الله تعالى -: غير متأثلٍ مالاً) أي: غير مجمع لنفسه منه رأس مال. قال النووي: وفيه دليل على صحة أصل الوقف، وأنه مخالف لشوائب الجاهلية، وقد أجمع المسلمون على ذلك، وفيه أن الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وإنما ينتفع فيه بشرط الواقف، وفيه صحة شروط الواقف، وفيه فضيلة الوقف وهي الصدقة الجارية، وفضيلة الإنفاق مما يحب، وفضيلة ظاهرة لعمر - رضي الله عنه -، وفضيلة مشاورة أهل الفضل والصلاح في الأمر وطرق الخير، وفيه أن خيبر فتحت عنوة وأن الغانمين ملكوها واقتسموها واستمرت أملاكهم على حصصهم، وفيه فضيلة صلة الأرحام والوقف عليهم. انتهى.

قال: (ولِلواقِفِ أن يَجعلَ نفسَهُ في وقفِهِ كسائرِ المُسلمينَ)

أي للواقف أن ينتفع بالوقف كواحد من المسلمين؛ لما جاء في حديث عثمان في بئر رُومَة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير منها في الجنة؟ » فاشتراها عثمان (١). أخرجه الترمذي والنسائي، في هذا الحديث عثمان جعل له دلواً مع دلاء المسلمين في هذا الوقف الذي وقفه.

قال البغوي في شرح السنة عند شرح حديث عمر المتقدم: فيه دليل على أن من وقف شيئاً ولم ينصب له قيماً معيناً جاز ; لأنه قال: لا جناح على من وليها أن يأكل منها، ولم يعين لها قيماً، وفيه دليل على أنه يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه ; لأنه أباح الأكل لمن وليه وقد يليه الواقف ولأنه صلى الله عليه وسلم قال للذي ساق الهدي: «اركبها»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من يشتري بئر رومة فيكون


(١) أخرجه البخاري (٢٦٨٢)، ومسلم (٥٩).

<<  <   >  >>