للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: يَبْطُل؛ تبعاً للرقَبَة كالعَبْد إذا أقرَّ على نفسه بالقَصَاص، يُقْبَل وَيبْطُلُ حَقُّ السيد تبعاً.

والثالث: إنْ كَانَ المَالُ في يَدِ المستأجر (١)، فلا يزالُ يدُهُ إلى انقضاء مدَّة الإجارة، وإن كان في يَدِ المُقَرِّ له، فلا ينتزع من يده.

وإذا قلْنا: يَبْطُل حقُّ المكتري في المنفعة، فهلْ له تحليف المكْرِي؟ فيه الخلافُ المذكورُ في أن المرتهن، هل يُحَلِّفُ الراهن، إذا أقرَّ بالمرهون، وقبِلْناه؟

والأظهرُ من الخلاف في المسألة أنَّه يقبل إقراره في الرَقبةُ، ولا يَقْبَل في المنْفَعَة، ويُحْكَى هذا عن أبي بكرٍ الفارسيِّ، لكن الذي رواه عن النَّصِّ في "عيون المسائل" له أن الإقرار جائزٌ، والكراء باطلٌ.

الثانية: للمكْرِي مخاصمةُ من غَصَب العَيْن المكراةَ أو سرَقَها بحقٌ الملك، وهل للمكْتَرِي مخاصمَتُه؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنَّهُ يستحِقُّ المنفعة، فيطالبه ليستوفِيَ المنفعة.

وأظهرهما، وَيُحْكَى عن نصِّ الشافعيِّ رضي الله عنه لا؛ لأنه ليْسَ بمالِك، ولا نائبٍ عن مالك فأشبه المودع والمُسْتعير، والوجْهان جاريان في أنَّ المرتهن، هل يخاصم؛ لأن له حقَّاً في المرْهُون؟ ورأى الإمامُ وطائفةٌ الوَجْه الأول أقْرَبَ إلى القِياسِ، وعلَى ذلك؛ جرى صَاحِبُ الكتاب. وقال: "والأقيس أن للمستأجر أيضاً مخاصمة الغاصِبِ" وقد يوجَّه بأن من ادَّعَى مِلْكاً، وقال اشترَيْتَهُ من فلان وكان مالكاً له إلَى أن اشتريتُهُ تُسْمَعُ بينته عَلَى ذلك، فكما سُمِعَتِ البينةُ على تملُّك البائع؛ لتوسُّله بها إلَى إثبات المِلْك لنفسه، وجب أن يكون الحُكْمُ في المنفعة كذلك.

ومنْها الثوبُ المعيَّن للخياطة، إذا تَلِفَ، هل ينفسخ العقد؟ فيه خلاف قدْ مرَّ ذكره. والأصحُّ عند الإمام وجماعةٍ: أنه لا ينفسخ؛ لأنَّ المعقود عليه العمل، فلا فرْقَ بين أن يوقعه في ذلك المعيَّن، أو في مثله.

وعند العراقيين والشيخ أبي عَلِيٍّ: أنه يَنْفسخ؛ لتعلُّقه بذلك المعين فيه، أجاب ابْنُه الحداد فيما إذا اكترى منه دوَابَّ في الذمَّة؛ لحمل خمسة أعْبُدٍ معيَّنين، فمات اثنانِ، وحمل ثلاثة، فقال: له ثلاثةُ أخماسِ الكراء، ويسقط خمساه، والفرض فيما إذا تساوت أوزانهم، وبوافقه نصُّ الشافعيِّ -رضي الله عنه- فيما لو نَكَحها على خياطةَ ثَوْبٍ بعينه، فهَلَكَ قبْل أن يَخِيطَهُ؛ حيث قال: لها مَهْرُ المثل، ثم بيَّن الشَّيْخُ مَوْضِعَ الخلاف؛ فقال:


(١) في د: المكتري.

<<  <  ج: ص:  >  >>