للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلاف فيما إذا لزم ذمَّته خياطةُ ثوبٍ بعينه، أو حمل عبْداً وقناعاً بعَيْنه، فإنَّ العقْدَ، وإن كان في الذِّمَّة، فهو متعلِّق بعينِ دلك الثَّوْب أو المتاع.

أما إذا استأجر دابَّةً بعينها مدة؛ لركوب، أو حمْل متاعٍ، فلا خلاف في جوازِ إبْدالِ الراكب والمتاع، وفي أن العَقْدَ لا ينفسخ بهلاكهما وَفَرَق بأن العقْدَ، والحالةُ هذه، تناول المدة؛ ألا تَرَى أنَّهُ لو سَلَّم الدابَّة، فلم يركْب، تستقِرُّ الأجرة، وفيما إذا استأجر؛ لخياطةِ الثَّوب المعيَّن العقْدُ يتناول العمل، ولهذا لو سلَّم نفْسه مدةً يُمْكِنُ فيها الخياطة، ولكنْ لمْ يَخطْ له لم تستقرَّ هكذا ذكره الشَّيْخُ، وفيه نزاعٌ ستعرفه من بعْدُ إن شاء الله تعالى.

فإن حكمنا بأنَّ الإجارة لا تَنْفَسِخ، فإن أتى المُسْتَأْجِر بثَوبْ مثله، فذاك، وإن لم يأْتِ إما لعجْزٍ، أو امتنع عنْ قدرةٍ، حتى مضت مدةٌ تسع لتوفيته (١) فتستقرُّ الأجرة، أو لا تستقرُّ؟ فيه وجهان (٢)، نقلهما الإمام:

إنْ قلْنا: تستقرُّ، فللمستأجر فَسْخُ العَقْدِ؛ لأنَّه، ربَّما لا يَجدُ ثوباً آخرَ أو لا يريد قَطْعَهُ. وفيه وجهٌ آخر: أنه ليسَ له فَسْخُ العقْد، فيخرَّج من هذا وجه أن المستأجر مخيَّر، إن شاء أبدل الثوب التالف، وإن شاء فسخ، وإليه، أشار صَاحِبُ الكتَاب في "الوسيط" حيْث قال بَعْد ذكر الخلاف في الانفساخ: و"فيه وجهٌ ثالِثٌ؛ وهو أنَّهما إن لم يتشاحا في الإبدال استمر العقد، ولا يثبت الفسخ.

وموت الصبيِّ المعيَّن للتعليم كتَلَفِ الثَّوْب المعيَّن للخياطة، وكذا الصبيُّ المعيَّنُ للارْضاع، إن لم يكُنْ وَلَد المرْضِعة، وإنْ كان وَلَدَهَا، فالخلاف فيه مرتَّبٌ، وأولَى بالانفساخ؛ لأنَّ دُرُورَ اللَّبَن على الولد فوق دُرُوره على الأجنبيِّ؛ لزيادة الشفقة على الوَلَد، فلا يُمْكِن إقامة غيرُه مُقَامه.

ولو بدأ له في قَطْع الثوب المعيَّن، وهو باقٍ، قال الإمام: المتَّجه أنَّهُ لا يجبُ عليه الإتيانُ به؛ لأنه قد نتج له غرض في الامتناع، لكن تستقرُّ عليه الأَجرة، إذا سلم الأجير نَفْسه، ومضَى مدَّة إمكان العمل، إن قلنا: استقرارُ الأجرة بتَسْلِيم الأجير نَفْسِه، ولَيْسَ للأجير فسْخُ الإجارة.

وإن قلنا: لا تستقرُّ، فله فَسْخُ الإجارة، وليْسَ للمستأجِر الفَسْخُ بحال؛ فإنَّ الإجارة عندنا لا تُفْسَخ بالأعذار، ولا يلتحقَ (٣) بالأسْبَاب المذكورةِ في الفصْل موت


(١) في ز: زيادة قوله "وإلا فالوارث بالخيار إن شاء وفاه واستحق الأجرة فإن أعرض للمستأجر فسخ الإجازة.
(٢) قال النووي: أصحهما لا تستقر.
(٣) في ز: تستلحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>