للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= عليه أن يستأنف الشهرين، ويلغي ما صَامَهُ.
ولا خلاف بينهم أيضًا في أنَّ التتابع لا ينقطع بالحيض متى باشرت المرأة الصوم عقب الطهر، ولم يفصل ذلك بفاصل؛ لأن الْحَيْض لا يمكن التحرز منه في أثناء الشهرين. إلا إذا أخرت الصوم إلى سن اليأس، وفي تأخيره إلى هذا الوقت خطر، وعزر؛ لأنها ربما تموت قبل ذلك.
واختلفوا في أمور منها:
أولًا: إذا تخلل صوم الكفَّارة شهر رمضان، فهل صوم رمضان يقطع التتابع، أو لا يقطعه، فيبنى على ما صامه من الكفَّارة؟
فمذهب الشافعية، والحنفية، والظاهرية أن التتابع ينقطع بذلك، وعليه أن يستأنف؛ لأنه قد ترك التتابع لغير عذر إذ كان في استطاعته أن يصوم شهرين ليس بينهما رمضان خصوصًا وأن الكفَّارة لم تجب على الفور، ولا يصح أن يَنْوِي برمضان الكفَّارة؛ لأن الزمن متعين لغيرها، والمتعين لا يقبل غيره.
ومذهب الحنابلة: أن التتابع لا ينقطع بذلك علم بأن رمضان يتخلل صوم الكفَّارة، أم لم يعلم بذلك لأنه زمن منع الشرع من صومه عن الكفَّارة، فلا يقطع التتابع كزمن الحيض، وبالنفاس. وهذا ما لم يَنْوِ بِرَمَضَانِ صَوْمَ الكفَّارة، وإلا انقطع التتابع، ولا يجزيه عن رمضان، ولا عن الكفَّارة
أمّا أنه لا يجزه عن الكفَّارة؛ فلأن الزمن متعين لغيرها، ولا يقبل غير ما عين له.
وأما أنه لم يجزه عن رمضان؛ فلأنه لم يَنْوِ، وإنما نوى غيره، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنياتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى".
ومذهب المالكية إن جهل تخلل رمضان لصوم الكفَّارة لم ينقطع التتابع بذلك؛ لعذره بالجهل، وإن علم بذلك انقطع تتابعه؛ لأنه كان في وسعه أن يؤخر الصوم إلى زمن لا يعترضه رمضان، والكفارة ليست واجبة على الفور، حتى يعذر بذلك، ولا يجزيه صوم رمضان عن الكفَّارة سواء نوى الكفَّارة وحدها، أو أشركها مع رمضان؛ لأن الزمن متعين لغيرها.
هذه أدلة العلماء ومذاهبهم. ونحن إذا نظرنا إلى قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} نجد أن الحق مع من قال: "إن رمضان يقطع التتابع ما لم يكن هناك جهل يعذر به" لأن التتابع معناه سرد الأيام بعضها تلو بعض، فلو فصل بينها فاصل انقطع التتابع. هذا هو الأصل، ولكن خولف هذا الأصل في الأشياء التي يعذر بها شرعًا ولا يمكن التحرز عنها.
ثانيًا: تخلل المرض
إذا عرض للمكفر بالصوم مرض لا يستطيع معه الصوم فأفطر لذلك فهل ينقطع تتابعه ويلغي ما صامه ويستأنف صوم الشهرين من جديد أو لا ينقطع تتابعه ويبني على ما فات بعد مرضه؟
ذهبت الحنفية والظاهرية والشافعية في الجديد من مذهبهم إلى أن التتابع ينقطع بالمرض لأنه غير مناف للصوم. وقد أفطر باختياره فانقطع تتابعه كما لو أجهده الصوم فأفطر لذلك.
وذهبت الحنابلة إلى أن الفطر للمرض المبيح له سواء كان مخوفًا أم غير مخوف لا يقطع التتابع قولًا واحدًا في المخوف وعلى الراجح في غيره. لأنه فطر بسبب لا صنع له فيه فلا يقطع التتابع كفطر المرأة بالحيض.
وفصل المالكية فقالوا إن أدخل المرض على نفسه بسبب من الأسباب الاختيارية فأفطر لذلك =

<<  <  ج: ص:  >  >>