للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= انقطع تتابعه لأنه يشبه الفطر اختيارًا من غير عذر وإن لم يدخله على نفسه، بل عرض له ذلك بقوة قاهرة لم ينقطع تتابعه بذلك. لأن فطره بسبب لا صنع له فيه فأشبه الفطر لأجل الحيض.
وبالنظر في وجهة كل نجد أن القول بالتفصيل هو الراجح لقوة مدركة. ولأن المرض قهري ولا يمكن التحرز عنه ولا دخل له فيه حتى يؤاخذ به. بخلاف ما إذا كان بسبب منه فإنه يجب أن يعامل بنقيض قصده.
ثالثًا: تخلل السفر:
إذا تخلل صوم الكفَّارة فطر لأجل السفر المبيح للفطر، فهل ينقطع التتابع بذلك أو لا ينقطع؟
للشافعية طريقتان في ذلك: طريقة تحكي قولين عن الشَّافعي، وطريقة تحكي قولاً واحدًا.
فالطريقة التي تحكي قولين: قول بأن السفر يقطع التتابع والقول الثاني أن السفر لا يقطعه.
والطريقة التي تحكي قولاً واحدًا: فهو القطع، وهو معتمد المذهب لأن الفطر لأجل السفر فطر بسبب اختياري فكان فطرًا لغير عذر.
وأظهر القولين من مذهب الحنابلة أنه لا يقطع التتابع لأنه فطر بسبب مبيح للفطر، فكان كالفطر لأجل الحيض.
ومذهب الحنفية والمالكية أن التتابع ينقطع بذلك لأن فطر بسبب جاء من جهته واختياره، فأشبه الفطر لغير عذر.
هذه هي مذاهب القوم وأدلتهم، وبالنظر في وجهة كل نجد أن الحق مع من يقول بأن السفر يقطع التتابع ولكن ليس على إطلاقه، بل ينبغي أن يفصل في سبب السفر هل هو اضطراري أو اختياري فإن كان اضطراريًا وجب ألا ينقطع التتابع، وأما إذا كان اختياريًا وجب أن التتابع ينقطع؛ لأن ذلك يحقق ما شرعت له الكفَّارة من الزجر والتشديد حتى يحتاط الناس في أمورهم، ولا يندفعوا في أعمالهم من غير تفكير وروية.
هل المعتبر في صيام الشهرين الهلال أو تكملة العدد ستين يومًا؟
لا نعلم خلافًا بين الفقهاء في أن من صيام شهرين متتابعين معتمدًا في ذلك على رؤية الهلال فيهما كفاه ذلك عما وجب عليه من الصوم سواء كان الشهران ستين يومًا أم تسعة وخمسين أم ثمانية وخمسين. لأن بفعله هذا قد صام شهرين متتابعين والله يقول: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} والشهر كما يكون ثلاثين يومًا يكون تسعة وعشرين لقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان فضرب بيديه فقال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا ثم عقد إبهامه في الثالثة. صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُم عليهم فاقدروا ثلاثين".
ولكن الذي نعلمه أنهم مختلفون فيما إذا ابتدأ الصيام الواجب عليه بعد أن مضى من الشهر بعضه. فهل يصوم الشهر الثاني معتمدًا في ذلك على رؤية الهلال ويكمل الشهر الأول ثلاثين يومًا من الشهر الثالث ويجزيه ذلك سواء كان الشهر الذي صامه بالهلال ثلاثين يومًا أم أقل من ذلك أو يكمل الأول من الثاني، والثاني من الثالث حتى يتم العدد ستين يومًا؟
فقالت الشافعية والمالكية والحنابلة يكمل الأول من الثالث، ويصوم الشهر الثاني بالهلال كيفما اتفق لأن الأصل في اعتبار الشهور الشرعية الاهلَّة قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} فإذا تعذر ذلك الأصل في الشهر الذي ابتدأ فيه الصوم لصومه في أثنائه ألغي اعتبار الهلال فيه، ورجعنا إلى ما يقوم مقامه وهو تكملة العدد ثلاثين بخلاف الشهر الثاني =

<<  <  ج: ص:  >  >>