للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قومي، فأنا أسيح في الأرض فأعبد ربي. فقال ابن الدغينة: «مثلك، يا أبا بكر، لا يخرج ولا يخرج، إنك تكسب المعدوم (١)، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقوق. فأنا لك جار. فارجع». وأتى ابن الدغينة قريشا، فقال لهم: «ما مثل أبي بكر يخرج. أتخرجون رجلا يكسب المعدم (٢)، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على النوائب؟» فأنفذت قريش جوار ابن الدغينة، وأمنوا أبا بكر على أن يصلي ويقرأ في منزله. فمكث أبو بكر مستخفيا بصلاته وقراءته، يعبد الله في داره.

ثم إنه ابتنى بفناء داره مسجدا، فبرز يصلي فيه. فكان يجتمع نساء المشركين وأبناؤهم حين يقرأ القرآن. فراع ذلك أشراف قريش، فبعثوا إلى ابن الدغينة فأخبروه بما يصنع أبو بكر. فقال ابن الدغينة لأبي بكر: قد علمت ما عاقدك القوم عليه، فإما أن تقتصر عليه وإما أن ترد علي جواري وذمتي. فقال أبو بكر:

فإني أرجع إليك جوارك وأرضى بجوار الله. وكان الحارث بن خالد مع أبي بكر حين لقيه أولا. فقال له: إن معي رجلا من عشيرتي. فقال له ابن الدغينة: دعه فليمض لوجهه، وارجع أنت إلى عيالك. فقال له أبو بكر:

فأين حق المرافقة؟ فقال الحارث: أنت في حل، فامض، فإني ماض لوجهي مع أصحابي. فمضى حتى صار إلى الحبشة. قالوا: ولم يزل مقيما بها إلى أن قدم مع جعفر. وكانت مع الحارث امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة، من بني مرة. فولدت له موسى وعائشة وزينب. وهلكت بأرض الحبشة. وذلك الثبت.

وقال بعض الزبيريين: أقبل الحارث وامرأته وولده منها، فشربوا ببعض الطريق من ماء هناك فماتوا سواء. فزوجه النبي بالمدينة ابنة عبد يزيد ابن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. وقال غير الواقدى: هو ابن الدغنة (٣).


(١) «وقوله لأبى بكر: إنك لتكسب المعدوم، يقال: كسبت الرجل مالا، فتعديه إلى مفعولين. هذا قول الأصمعى. وحكى غيره: أكسبته مالا، فمعنى تكسب المعدوم، أى تكسب غيرك ما هو معدوم عنده» (السهيلي، ١/ ٢٣١).
(٢) كذا ههنا في الأصل. والمعدم: الفقير.
(٣) أى بدل ابن الدغينة المذكور في القصة. والدغنة أمه كما ذكر السهيلي (١/ ٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>