للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكانت العادة أن يحضر الولاة كلّ سنة للسلطان تقدمة. فخرق أيدمر العادة و [أ] حضر تقدمة عظيمة في سنة اثنتين وتسعين وستّمائة فيها ستّون حجرة (١) من عتاق الخيل، وعشرون حصانا، ومائة هجين كلّهم بعبى سخبريّة (٢) ومقاود بعضها فضّة وأكوار وسلاح كثير من أسلحة العرب.

فأعجب بها السلطان وشكره. فسأل النائب بيدرا أن ينعم عليه بالمثول بين يدي السلطان ليقبّل الأرض فقال: لا، بل يذهب إلى الوزير، فإنّه شكا منه أنّه أخذ لي شيئا كثيرا من مالي.

فقال: ونفرض أنّه أخذ؟ فقد أحضر قدر ما أخذ في هذه التقدمة.

وأبى إلّا أن يذهب إلى الوزير. فعزّ ذلك على أيدمر وقال: ليفعل السلطان بي كلّ ما يختار! ولا أدخل إلى الوزير، فإنّه كبير النفس وأنا أكبر نفسا منه [٢٣٤ ب]، فيحصل الضرر.

فلاطفه بيدرا، وبعث قبله أحد الحجّاب إلى الوزير بالوصيّة عليه فإنّه رجل شيخ له قدر معتبر.

ثم بعثه. فلمّا دخل على الوزير لم يعبأ به، وتشاغل عنه ساعة. ثم نظر له وقال: أنت الذي يقال لك القشّاش؟

فاشتدّ حنقه، ونظر إلى الوزير شزرا، وخرج وهو يسبّه بالتركيّ، والحاجب يصيح به فلا يلتفت إليه، والنقباء في طلبه. فسبقهم إلى دار النيابة وقال لبيدرا: ألف ضربة بالسيف، ولا وقوفي قدّام عامّي يهينني! - وحلّ سيفه وألقاه.

فسكّن بيدرا الشرّ وأظهر أنّه قد غضب عليه، وأخذ سيفه ووكّل به، وأعلم الوزير بما فعل به.

فلمّا دخل إلى السلطان شكا من أيدمر وقوّة

نفسه. فقال له السلطان: ما نجد من يقوم مقامه، فإنّه مسلّط على المفسدين فلاطف الأمر معه.

فخرج وطلبه من دار النيابة ورسم عليه ليعمل حساب البلاد.

فقال: قل للصاحب: أنا ما ولّاني الملك المنصور [٢٥٣ ب] جابيا حتى أعمل الحساب، وإنّما أقامني لأشنق وأوسّط وأسمّر وأحطّ ابن آدم على الخازوق، وما أعرف غير سفك الدماء. فإن كان للوزير حساب [فل] يطلبه من دواوينه! وإن كنت قتلت له أحدا من أقاربه [فل] يطلبني بدمه! - ونهر في شادّ الدواوين وفي المقدّمين.

فعادوا إلى الوزير بما قال، فاقشعرّ جلده من شناعة هذا القول. فأقام في الترسيم ثلاثة أيّام [ثم] استدعاه السلطان وخلع عليه وقال له: قد سمعت أنّك قتلت خلقا كثيرا، فكم تبلغ عدّتهم؟

فقال: زيادة على اثني عشر ألف رجل، وما أعتقد أنّ الله أجرى حكمي على غير مفسد.

قال: وسمعت أنّك سمّرت ثلاث نساء، منهنّ اثنتان بكران. لم ذلك؟

قال: شكا إليّ تاجر من أهل المحلّة عجوزا وجد معها شيئا من ثياب أخيه، وكان قد غاب مدّة وانقطع خبره. فأنكرت ما قال، ففتّشتها، فإذا معها مصاغ فيه خواتم رجاليّة. فادّعت أنّه من حلي بناتها، فعاقبتها ثلاثة أيّام فلم تقرّ ولا عرّفتني باسم بلدها، حتى ذكر لي بعض الرقّاصين أنّها من ناحية بطشة (٣) بالقرب من المحلّة. فركبت وهجمت بيتها فوجدت فيها كثيرا من ملابس الرجال والنساء، ووجدت لها ابنتين فعاقبت الثلاث (٤) عقوبة الموت، فلم يعترف أحد منهنّ بشيء،


(١) الحجرة: أنثى الخيل.
(٢) كلمتان عسيرتا القراءة ولا نعرف الهجن السخبريّة.
(٣) لم نجد بطشة هذه.
(٤) في المخطوط: الثلاثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>