للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سنزيدك، وسنوجِّه نظرك بنوع خاص إلى دقة التعبير القرآني ومتانة نظمه، وعجيب تصرفه، حتى يؤدِّي لك المعنى الوافر الثري، في اللفظ القاصد النقي، إذ كانت هذه الخاصَّة الأولى - من الخواصِّ التي ذكرناها - أحوج إلى التوقيف والإرشاد.

ولا تحسبنَّ أننا سنضرب لك الأمثال بتلك الآيات الكريمة التي وقع اختيار الناس عليها وتواصفوا الإعجاب بها، كقوله تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ … ﴾ [هود: ٤٤] الآية (١)، وقوله: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩] (٢)، وأشباههما.

بل نريد أن نجيئك بمثال من عُرض القرآن في معنى لا يأبَه له الناس ولا يقع اختيارهم على مثله عادة، ليكون دليلًا على ما وراءه.

يقول الله تعالى في ذكر حِجَاج اليهود: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١]، والآيتان بعدها.

هذه قطعة من فصل من قصة بني إسرائيل، والعناصر الأصلية التي تبرزها لنا هذه الكلمات القليلة تتلخص فيما يلي:

١ - مقالة ينصح بها الناصح لليهود، إذ يدعوهم إلى الإيمان بالقرآن.

٢ - إجابتهم لهذا الناصح بمقالة تنطوي على مقصدين.

٣ - الردُّ على هذا الجواب بركنيه، من عدة وجوه.

وأقسمُ لو أنَّ محاميًا بليغًا وكلت إليه الخصومة بلسان القرآن في هذه القضية، ثم هُدي إلى استنباط هذه المعاني التي تختلج في نفس الداعي والمدعو لما وسعه في أدائها أضعاف أضعاف هذه الكلمات، ولعله بعد ذلك لا يفي بما حولها من إشارات واحتراسات وآداب وأخلاق.


(١) اقرأ إن شئت ما كتبه السكاكي عن هذه الآية في كتابه (مفتاح العلوم) [ص: ١٧] بعد تعريف البلاغة والفصاحة في آخر علم البيان.
(٢) اقرأ ما كتبه عنها المفسرون وما كتبه صاحب (الإتقان) في بحث الإيجاز والإطناب.

<<  <   >  >>