للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الناصح لليهود: آمنوا بالقرآن كما آمنتم بالتوراة؛ ألستم قد آمنتم بالتوراة التي جاء بها موسى لأنَّها أنزلها الله؛ فالقرآن الذي جاء به محمد أنزله الله، فآمنوا به كما آمنتم بها.

فانظر كيف جمع القرآن هذا المعنى الكثير في هذا اللفظ الوجيز ﴿آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٩١]، وسرُّ ذلك أنه عدل بالكلام عن صريح اسم القرآن إلى كنايته (١)، فجعل دعاءهم إلى الإيمان به دعاء إلى الشيء بحجته (٢)، وبذلك أخرج الدليل والدعوى في لفظ واحد.

ثم انظر كيف طوى ذكر المنزَل عليه فلم يقل: آمنوا بما أنزل الله (على محمد) مع أن هذا جزء متمِّمٌ لوصف القرآن المقصود بالدعوة، أتدري لم ذلك؟ لأنَّه لو ذكر لكان في نظر الحكمة البيانية زائدًا، وفي نظر الحكمة الإرشادية مفسدًا.

أمَّا الأول: فلأنَّ هذه الخصوصية (٣) لا مدخل لها في الإلزام، فأدير الأمر على القدر المشترك وعلى الحد الأوسط الذي هو عمود الدليل (٤).

وأمَّا الثاني: فلأنَّ إلقاء هذا الاسم (٥) على مسامع الأعداء من شأنه أن يخرج أضغانهم ويثير أحقادهم فيؤدي إلى عكس ما قصده الداعي من التأليف والإصلاح.

ذلك إلى ما في هذا الحذف من الإشارة إلى طابع الإسلام، وهو أنَّه ليس دين تفريق وخصومة، بل هو جامع ما فرَّقه الناس من الأديان، داعٍ إلى الإيمان بالكتب كلها على سواء: بما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم، لا نفرق بين شيء من كتبه، كما لا نفرق بين أحد من رسله.


(١) أي: ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٩١]. (عمرو)
(٢) أي: لأن الله أنزله. (عمرو)
(٣) أي: خصوصية نزوله على (محمد). (عمرو)
(٤) أي: إنزاله من الله سبحانه. (عمرو)
(٥) أي: اسم سيدنا رسول الله (محمد). (عمرو)

<<  <   >  >>