للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يُعلم أحد جمع في علم القراءات أكثر من الهُذلي والطبري إلا ما حواه كتاب عيسى بن عبد العزيز الإسكندري، من علماء القرن السابع (ت: ٦٢٩) الذي سمَّاه: «الجامعُ الأكبر والبحرُ الأزخَر»، وهو فيما يعلم أكبر كتاب في القراءات، ضمنه (٧٠٠٠) رواية وطريق (١).

ومن مظاهر هذه العناية في هذا الجانب جهود الحافظ ابن الجزري (ت: ٨٣٣) في علم القراءات، وكأنَّ الله اصطفاه لضبط هذا العلم، وتأطيره بإطار معين، بحيث أصبح هذا الإطار الذي حدده ابن الجزري (ت: ٨٣٣) معينًا ثريًّا يغرف منه كل من جاء بعده؛ إذ نظر إلى كتب القراءات التي في تلك الحِقبة؛ أي: في القرنين الثامن والتاسع الهجريين؛ لأنه عاش بين سنة (٧٥١) إلى عام (٨٣٣) ففي هذه الفترة الرحبة من حياته وقف على أهم كتب القراءات في زمنه، فسَبَر ما يقارب (٥٧) كتابًا من كتب القراءات فمخضها، ودقق في أسانيدها، واشترط شرطًا عاليًا - لم يشترطه أحد قبله ممن صنف في علم القراءة - وهو أن يكون كل راوٍ عن الآخر في سند القراءة ثبت لقيُّه له وصحت معاصرته له، فضلًا أن يكون هذا الراوي عدلًا ثقةً فيما يقول ويروي في باب علم القراءات (٢).

فهذا شرط لم يلتزمه أحد قبل ابن الجزري (ت: ٨٣٣) ، فجمع كتابًا عظيمًا في القراءات هو كتاب (النشر في القراءات العشر)، الذي ألفه في نحو عشرة أشهر في تركيا في مدينة بورصة سنة (٧٩٩) (٣) وغدا هذا المصنَّف أهم كتاب من كتب القراءات، من التاريخ الذي ألفه فيه الإمام ابن الجزري إلى


(١) قال ابن الجزري (ت: ٨٣٣): «فكتابه الذي جمعه وسماه الجامع الأكبر لم يُجمَع مثلُه في هذا الفن؛ فإنه لم يترك من القراءات شيئًا قلَّ ولا جلَّ إلا نادرًا، من رآه رأى العجب، أخبرني شيخنا العلامة سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني أن عنده نسخة كاملة»، غاية النهاية: (١/ ٨٤٧)، ط. الخانجي، وانظر: النشر (١/ ٣٥).
(٢) النشر: (١/ ١٩٢ - ١٩٣).
(٣) النشر: (٢/ ٤٦٩).

<<  <   >  >>