للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْهَدْيَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ. وَإِذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، رَكِبَهُ رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلَ الْمُعْيَا وَالْمُضْطَرَّ عَلَى هَدْيِهِ. وَإِذَا كَانَ الْهَدْيُ أُنْثَى فَنَتَجَتْ، فَإِنْ تَبِعَهَا فَصِيلُهَا سَاقَهُ وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهَا حَمَلَهُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ أَحَدًا. وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ فَصِيلَهَا. وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَأَعْجَفَهَا، غَرِمَ قِيمَةَ مَا نَقَصَهَا. وَكَذَلِكَ إنْ شَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا مَا يُنْهِكُ فَصِيلَهَا، غَرِمَ قِيمَةَ اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبَ. وَإِنْ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَوَجَّهَهَا إلَى الْبَيْتِ، أَوْ وَجَّهَهَا بِكَلَامٍ فَقِيلَ هَذِهِ هَدْيِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَلَا يُبَدِّلُهَا بِخَيْرٍ وَلَا بِشَرٍّ مِنْهَا، كَانَتْ زَاكِيَةً أَوْ غَيْرَ زَاكِيَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَرِثُوهَا، وَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي الْهَدْيِ إلَى يَوْمِ يُوجِبُ، فَإِنْ كَانَ وَافِيًا، ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَوَرٌ أَوْ عَرَجٌ، أَوْ مَا لَا يَكُونُ بِهِ وَافِيًا عَلَى الِابْتِدَاءِ، لَمْ يَضُرَّهُ إذَا بَلَغَ الْمَنْسَكَ. وَإِنْ كَانَ يَوْمَ وَجَبَ لَيْسَ بِوَافٍ ثُمَّ صَحَّ حَتَّى يَصِيرَ وَافِيًا قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِإِبْدَالِهِ مَعَ نَحْرِهِ، أَوْ يَكُونَ أَصْلُهُ وَاجِبًا، فَلَا يُجْزِي عَنْهُ فِيهِ إلَّا وَافٍ.

(قَالَ): وَالْهَدْيُ هَدْيَانِ، هَدْيٌ أَصْلُهُ تَطَوُّعٌ، فَذَكَرَ فِي عَطَبِهِ وَإِطْعَامِهِ مَا سَبَقَ فِي بَابِ الْهَدْيِ (قَالَ): وَهَدْيٌ وَاجِبٌ فَذَلِكَ إذَا عَطِبَ دُونَ الْحَرَمِ صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِمْسَاكٍ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى مَسَاكِينَ، كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا حِينَ عَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ. وَذَكَرَ هُنَا دَمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْهَدْيِ (قَالَ): وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِمَا هَدْيَانِ وَاجِبَانِ، فَأَخْطَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهَدْيِ صَاحِبِهِ فَذَبَحَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيَ نَفْسِهِ، وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ مَا بَيْنَ الْهَدْيَيْنِ حَيَّيْنِ وَمَنْحُورَيْنِ وَأَجْزَأَ عَنْهُمَا وَتَصَدَّقَا بِكُلِّ مَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكَاهُ حَتَّى فَاتَ بِصَدَقَةٍ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ الْهَدْيِ حَيًّا، وَكَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَدَلُ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُبَدِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِجَمِيعِ ثَمَنِ هَدْيِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِثَمَنِ هَدْيِهِ هَدْيًا زَادَ حَتَّى يُبَدِّلَهُ هَدْيًا، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ هَدْيًا فَمَنَعَ الْمَسَاكِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَوْ نَحَرَهُ بِنَاحِيَةٍ وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَبَيْنَهُ حَتَّى يُنْتِنَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ. وَالنَّحْرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ " مِنًى " كُلُّهَا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِهَا فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ.

فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَاجِبٌ نَحَرَهُ وَأَعْطَاهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ قَضَاءً. وَيَذْبَحُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ ذَبْحَ اللَّيْلِ لِئَلَّا يُخْطِئَ رَجُلٌ فِي الذَّبْحِ أَوْ لَا يُوجَدُ مَسَاكِينُ حَاضِرُونَ. فَأَمَّا إذَا أَصَابَ الذَّبْحَ فَوَجَدَ مَسَاكِينَ حَاضِرِينَ فَسَوَاءٌ وَفِي أَيِّ الْحَرَمِ ذَبَحَهُ ثُمَّ أَبْلَغَهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ ذَبْحُهُ إيَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ نَاسٍ.

وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ قِيَامًا غَيْرَ مَعْقُولَةٍ وَإِنْ أَحَبَّ عَقْلَ إحْدَى قَوَائِمِهَا. وَإِنْ نَحَرَهَا بَارِكَةً أَوْ مُطْلَقَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ وَيَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ.

وَإِنْ نَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ أَوْ ذَبَحَ الْإِبِلَ كَرِهْت لَهُ ذَلِكَ وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ. وَمَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ أَجْزَأَ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ وَهَكَذَا مَنْ حَلَّتْ ذَكَاتُهُ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا إعَادَةَ عَلَى صَاحِبِهِ. وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ صَاحِبُهَا أَوْ يَحْضُرَ الذَّبْحَ فَإِنَّهُ يُرْجَى عِنْدَ سُفُوحِ الدَّمِ الْمَغْفِرَةُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا سَمَّى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّسِيكَةِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ قَالَ: " اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ عَنِّي أَوْ تَقَبَّلْ عَنْ فُلَانٍ " الَّذِي أَمَرَهُ بِذَبْحِهِ فَلَا بَأْسَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَكْلَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْهَدْيِ.

(قَالَ): وَالْهَدْيُ هَدْيَانِ وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ. فَكُلُّ مَا كَانَ أَصْلُهُ وَاجِبًا عَلَى الْإِنْسَانِ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا وَذَلِكَ مِثْلُ هَدْيِ الْفَسَادِ وَالطِّيبِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنُّذُورِ وَالْمُتْعَةِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ مَا أَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّطَوُّعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>