للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منازله، مرتويًا من موارده، فتكون ناظرًا إلى الحكم الدينيِّ الأمري، متقيِّدًا به فعلًا وتركًا وطلبًا وهربًا، ناظرًا إلى ترتُّب الثواب والعقاب عليه سببًا وكسبًا.

ومع ذلك فتسير أنت بقلبك، مشاهدًا للحكم الكونيِّ القضائيِّ، الذي تنطوي فيه الأسباب والمسبَّبات والحركات والسكنات، ولا يبقى هناك غير محض المشيئة وتفرُّدِ الربِّ وحده بالأفعال، ومصدرها عن إرادته ومشيئته.

فيكون قائمًا بالأمر والنهي فعلًا وتركًا سائرًا بسيره، وبالقضاء والقدر إيمانًا وشهودًا وحقيقةً؛ فهو ناظرٌ إلى الحقيقة قائمٌ بالشريعة.

وهذان الأمران هما عبوديَّة هاتين الآيتين: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨ - ٢٩]، وقال: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩) وَمَا يَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: ٢٩ - ٣٠]. فتَرْكُ العمل يسير سير العلم: مشهد {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}، وسير صاحبه مشاهدًا للحكم: مشهد {وَمَا يَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}.

وأمّا قوله: (حرًّا من رقِّ الرسم)؛ الحرِّيَّة التي يشيرون إليها: عدم الدُّخول تحت عبوديَّة الخلق والنفس، والدُّخولُ تحت رقِّ عبوديَّة الحقِّ وحده. ومرادهم بالرَّسم: ما سوى الله، فكلُّه رسومٌ، فإنَّ الرُّسوم هي الآثار، ورسوم المنازل والدِّيار هي الآثار التي تبقى بعد سكَّانها، والمخلوقات بأسرها في منزل الحقيقة رسومٌ وآثارٌ للقدرة.

أي: فتُخلِّص نفسك من عبوديَّة كلِّ ما سوى الله، وتكون بقلبك مع القادر الحقِّ وحده، لا مع آثار قدرته التي هي رسوم، فلا تشتغل بغيره

<<  <  ج: ص:  >  >>