للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلسوف تعلم أنَّ سيرك لم يكن ... إلَّا إليك إذا بلغت المنزلا

وكأنَّ صاحبه يشير (١) إلى أنَّه وجود قلبه ولسانه، ووجوده أقرب إليه من إرادته ونطقه. هذا خبيءُ هذا الكلام. وتعالى الله عن إلحاد هذا وأمثالِه وإفكهم علوًّا كبيرًا (٢)، بل هو سبحانه فوق سمواته على عرشه بائنٌ من خلقه.

وأمَّا ما ذكرتم من القرب، فإن أردتم عموم قربه إلى كلِّ لسانٍ مِن نطقه وإلى كلِّ قلبٍ مِن قصده، فهذا لو صحَّ لكان قرب قدرةٍ وعلمٍ وإحاطةٍ، لا قربًا بالذات والوجود، فإنَّه سبحانه لا يمازج خلقه، ولا يخالطهم، ولا يتَّحد بهم. مع أنَّ هذا المعنى لم يرد عن الله ورسوله ولا أحدٍ من السلف الأخيار تسميتُه قربًا، ولم يجئ القرب في القرآن والسُّنَّة قطُّ إلَّا خاصًّا كما تقدَّم.

وإن أردتم القرب الخاصَّ إلى اللِّسان والقلب، فهذا قرب المحبَّة وقرب الرِّضا والأنس، كقرب العبد من ربِّه وهو ساجد. وهو نوعٌ آخر من القرب، لا مثال له ولا نظير، فإنَّ الرُّوح والقلب يقرب من الله تعالى وهو على عرشه، والرُّوح في البدن، وقد تقدَّم الإشارة إلى ذلك.

وهذا القرب لا ينافي القصد والطّلب، بل هو مشروطٌ بالقصد، فيستحيل وجوده بدونه. وكلَّما كان الطلب والقصد أتمَّ كان هذا القرب أقوى.

فإن قيل: فكيف تصنعون بقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: ١٦]؟


(١) ل، ش: «مشير».
(٢) هنا ينتهي ما وُجد من المجلد الأول من نسخة شستربيتي (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>