للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أخبر به أهل التّواتر ــ وإن لم يَرَه ــ من البلاد والوقائع. فهذا إيمانه يجري مجرى العيان، وإيمان غيره فمحض التقليد.

قوله: (ويَطوِي خِسَّةَ التّكاليف).

ليت الشّيخ عبَّر عن هذه اللّفظة بغيرها، فوالله إنّها لأقبحُ من شَوكةٍ في العين وشَجًى في الحلق، وحاشا التّكاليف أن تُوصَف بخِسّةٍ، أو يَلحقَها خسّةٌ. وإنّما هي قرّةُ عينٍ، وسرورُ قلبٍ، وحياةُ روحٍ، صدرَ التّكليفُ بها عن حكيمٍ حميدٍ، فهي أشرفُ ما وصل إلى العبد من ربِّه، وثوابُه عليها أشرفُ ما أعطاه العبدَ.

نعم لو قال: يَطوِي ثِقَلَ التّكاليف ويُخفِّف أعباءَها ونحو ذلك كان أولى، ولولا مقامه من الإيمان والمعرفة والقيام بالأوامر لكنّا نُسِيء به الظّنّ.

والّذي يحتمل أن يُصرَف كلامه إليه وجهان:

أحدهما: أنّ الصّفاء - المذكور في هذه الدّرجة - لمّا انطوت في حكمه الوسائط والأسباب، واندرجَ فيه حظُّ العبوديّة في حقِّ الرُّبوبيّة= انطوت فيه رؤيةُ كون العبادة تكليفًا، فإنّ رؤيتها تكليفًا خِسّةٌ من الرّائي، لأنّه رآها بعين أنفته (١) وقيامه بها، ولم يرها بعين الحقيقة، فإنّه لم يصل إلى مقام «فبِيْ يَسمع، وبي يُبصِر، وبي يَبْطِش، وبي يَمْشي» (٢)، ولو وصل إلى ذلك لرآها بعين الحقيقة. ولا خِسّةَ فيها هناك البتّةَ، فإنّ نظره قد تعدّى من قيامه بها إلى قيامها بالقيُّوم الذي قام به كلُّ شيءٍ، فكان لها وجهان:


(١) بياض في ش مكان هذه الكلمة.
(٢) تقدم تخريج الحديث، والكلام على هذا اللفظ (١/ ٤٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>