للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِحُكْمٍ مُخَالِفٍ ... لِمَذْهَبِهِ مَا صَحَّ أَصْلًا يُسْطَرُ

قُلْت: وَأَمَّا الْأَمِيرُ فَمَتَى صَادَفَ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ نَفَذَ أَمْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ سِيَرِ التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا فَلْيُحْفَظْ.

(وَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ وَلَا لَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ بَلْ وَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ بَحْرٌ (إلَّا بِحُضُورِ نَائِبِهِ) أَيْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْغَائِبِ (حَقِيقَةً كَوَكِيلِهِ

ــ

[رد المحتار]

وَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِحُكْمٍ مُخَالِفٍ ... مُقَلِّدَهُ مَا صَحَّ إنْ كَانَ يُذْكَرُ

وَبَعْضُهُمْ إنْ كَانَ سَهْوًا أَجَازَهُ ... عَنْ الصَّدْرِ لَا عَنْ صَاحِبَيْهِ يَصْدُرُ

وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُ الْوَهْبَانِيَّةِ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا قَضَى بِهِ سَاهِيًا: أَيْ نَاسِيًا مَذْهَبَهُ وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا عَلِمْت، وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَمَدُ الْمُفْتَى بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ مِنْ عَدَمِ النَّفَاذِ أَصْلًا أَيْ ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا غَيَّرَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ النَّظْمِ جَازَ مَا بِمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَافْهَمْ. لَكِنَّ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ السَّائِحَانِيُّ تَغْيِيرُ الشَّطْرِ الثَّانِي هَكَذَا لِمُعْتَمَدٍ فِي رَأْيِهِ فَهُوَ مُهْدَرُ مَطْلَبٌ فِي أَمْرِ الْأَمِيرِ وَقَضَائِهِ.

(قَوْلُهُ: قُلْت وَأَمَّا الْأَمِيرُ إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي سِيَرِ التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ الْعَسْكَرَ بِشَيْءٍ كَانَ عَلَى الْعَسْكَرِ أَنْ يُطِيعُوهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ مَعْصِيَةً اهـ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: نَفَذَ أَمْرُهُ بِمَعْنَى وَجَبَ امْتِثَالُهُ تَأَمَّلْ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ السُّلْطَانَ لَوْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَالصَّحِيحُ نَفَاذُهُ وَفِي الْبَحْرِ إذَا كَانَ الْقَضَاءُ مِنْ الْأَصْلِ وَمَاتَ الْقَاضِي لَيْسَ لِلْأَمِيرِ أَنْ يُنَصِّبَ قَاضِيًا وَإِنْ وَلِيَ عُشْرَهَا وَخَرَاجَهَا، وَإِنْ حَكَمَ الْأَمِيرُ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ إلَخْ، وَفِي الْأَشْبَاهِ قَضَاءُ الْأَمِيرِ جَائِزٌ مَعَ وُجُودِ قَاضِي الْبَلَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَلًّى مِنْ الْخَلِيفَةِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ اهـ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا نَصَّبَ فِي الْبَلْدَةِ أَمِيرًا وَفَوَّضَ إلَيْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا صَحَّ قَضَاؤُهُ وَأَمَّا إذَا نَصَّبَ مَعَهُ قَاضِيًا فَلَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لِلْقَاضِي لَا لِلْأَمِيرِ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ سُئِلْت عَنْ تَوْلِيَةِ الْبَاشَا بِالْقَاهِرَةِ قَاضِيًا لِيَحْكُمَ فِي حَادِثَةٍ خَاصَّةٍ مَعَ وُجُودِ قَاضِيهَا الْمُوَلَّى مِنْ السُّلْطَانِ، فَأَجَبْت بِعَدَمِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ؛ وَلِذَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ اهـ.

(قَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي بَحْثِ رَسْمِ الْمُفْتِي

(قَوْلُهُ: وَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ، سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا وَقْتَ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَبَعْدَ التَّزْكِيَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ عَنْ الْبَلَدِ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي، فَيَقْضِي عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي الْبَيِّنَةِ، دُونَ الْإِقْرَارِ؛ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِقْرَارِ قَضَاءُ إعَانَةٍ: وَإِذَا أَنْفَذَ الْقَاضِي إقْرَارَهُ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي حَقَّهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ عَقَارًا، إلَّا أَنَّهُ فِي الدَّيْنِ يُسَلِّمُ إلَيْهِ جِنْسَ حَقِّهِ إذَا وُجِدَ فِي يَدِ مَنْ يَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّهُ مَالُ الْغَائِبِ الْمُقِرِّ، وَلَا يَبِيعُ فِي ذَلِكَ الْعَرْضِ وَالْعَقَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يَجُوزُ، بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلْعَتَّابِيِّ. لَكِنْ فِي الْخَامِسِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْخَانِيَّةِ غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ الْوَكِيلُ بَعْدَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ لَا يَحْكُمُ بِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَيَحْكُمُ وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَغَابَ ثُمَّ حَضَرَ وَكِيلُهُ أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ حَضَرَ مُوَكِّلُهُ يَقْضِي بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَكَذَا يَقْضِي عَلَى الْوَارِثِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَى مُوَرِّثِهِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَصِحُّ) لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ حَضْرَةَ الْخَصْمِ، لِيَتَحَقَّقَ إنْكَارُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: بَلْ وَلَا يَنْفُذُ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ النَّفَاذِ، وَأَيْضًا فَالْحُكْمُ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي نَفَاذِهِ بِدُونِ تَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا أَفَادَهُ ح. وَلِذَا فَسَّرَ فِي الْبَحْرِ كَلَامَ الْكَنْزِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِعَدَمِ النَّفَاذِ لِقَوْلِهِ إذَا نَفَّذَهُ قَاضٍ آخَرُ يَرَاهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ: كَوَكِيلِهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>