للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ أَبُوهُ جَبْرِيًّا حَلَّتْ أَشْبَاهٌ، لِأَنَّهُ صَارَ كَمُرْتَدٍّ قُنْيَةٌ، بِخِلَافِ يَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ تَنَصَّرَ لِأَنَّهُ يُقَرَّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ عِنْدَ الذَّبْحِ؛ حَتَّى لَوْ تَمَجَّسَ يَهُودِيٌّ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ، وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مُشْرِكٍ وَكِتَابِيٍّ كَكِتَابِيٍّ لِأَنَّهُ أَخَفُّ

(وَتَارِكُ تَسْمِيَةٍ عَمْدًا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (فَإِنْ) (تَرَكَهَا نَاسِيًا) (حَلَّ) خِلَافًا لِمَالِكٍ.

(وَإِنْ) (ذَكَرَ مَعَ اسْمِهِ) تَعَالَى (غَيْرَهُ) (، فَإِنْ وَصَلَ) بِلَا عَطْفٍ

ــ

[رد المحتار]

فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ إنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى عَقَائِدِ الْمُعْتَزِلَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا شُبْهَةٍ وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى عَقَائِدِنَا، وَصَاحِبُ الْأَشْبَاهِ قَاسَهُ عَلَى تَفْرِيعِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ فَرَضُوهُ فِينَا وَهُوَ فَرَضَهُ فِي أَمْثَالِهِمْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لَوْ سُنِّيًّا فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الرَّاجِحِ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ وَلَا التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِعَدَمِ حِلِّ ذَبِيحَتِهِ مَعَ قَوْلِنَا بِحِلِّ ذَبِيحَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْقَائِلِينَ بِالثَّلِيثِ، وَانْتِقَالُهُ عَنْ مَذْهَبِ أَبِيهِ السُّنِّيِّ إلَى مَذْهَبِ الْجَبْرِيَّةِ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ مُصَدِّقٌ بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَبِكِتَابٍ مُنَزَّلٍ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فِيهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ النَّصْرَانِيِّ الْمُثَلِّثِ بِلَا شُبْهَةِ دَلِيلٍ أَصْلًا بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ لِرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ - {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا} [الأنبياء: ٢٥]- {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥]- وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ كَمُرْتَدٍّ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْحِلِّ

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ يَهُودِيٍّ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَمُرْتَدٍّ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُقِرُّ إلَخْ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا انْتَقَلَ إلَى أَيِّ دِينٍ كَانَ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ) أَيْ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ دُونَ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ) لِمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَخَفَّ الْأَبَوَيْنِ ضَرَرًا. وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِكِتَابٍ وَإِنْ نُسِخَ أَخَفُّ مِنْ مُشْرِكٍ يَعْبُدُ الْأَوْثَانَ، إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ يَلْتَجِئُ إلَيْهَا فِي الْمُحَاجَّةِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ دِينٌ حَقٌّ قَبْلَ نَسْخِهِ

(قَوْلُهُ وَتَارِكِ تَسْمِيَةٍ عَمْدًا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى وَثَنِيٍّ: أَيْ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا لِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ مِمَّنْ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ كَانَ فِي النَّاسِي وَلِذَا قَالُوا لَا يُسْمَعُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ النِّسْيَانِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سَأَلَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا آخَرَ لَا تَأْكُلُ، إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك» عَلَّلَ الْحُرْمَةَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ، وَتَمَامُ الْمَبَاحِثِ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِ الْبَازِي وَالْكَلْبِ وَعِنْدَ الرَّمْيِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) يُوجَدُ بَعْدَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا حَلَّ) قَدَّمْنَا عَنْ الْحَقَائِقِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ فِي مَعْنَى النَّاسِي مَنْ تَرَكَهَا جَهْلًا بِشَرْطِيَّتِهَا.

وَاسْتُشْكِلَ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ سَمَّى وَذَبَحَ بِهَا وَاحِدَةً ثُمَّ ذَبَحَ أُخْرَى وَظَنَّ أَنَّ الْوَاحِدَةَ تَكْفِي لَهَا لَا تَحِلُّ.

أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ غَيْرِ الْعَالِمِ بِالشَّرْطِيَّةِ أَصْلًا وَبَيْنَ الْعَالِمِ بِهَا بِالْجُمْلَةِ، فَيُعْذَرُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي لِوُجُودِ عِلْمِهِ بِأَصْلِ الشَّرْطِيَّةِ، عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي التَّسْمِيَةِ الْفَوْرُ كَمَا يَأْتِي وَبِذَبْحِ الْأُولَى انْقَطَعَ الْفَوْرُ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِالشَّرْطِيَّةِ تَأَمَّلْ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ ظَنَّهُ الْإِجْزَاءَ عَنْ الثَّانِيَةِ عُذْرًا كَالنِّسْيَانِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْجَهْلِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِعُذْرٍ، بِخِلَافِ النِّسْيَانِ كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْأَكْلَ لَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ) كَذَا فِي أَكْثَرِ كُتُبِنَا إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي مَشَاهِيرِ كُتُبِ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يُسَمَّى عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَعِنْدَ الذَّبْحِ، فَإِنْ تَرَكَهَا عَامِدًا لَا يُؤْكَلُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَنَاسِيًا يُؤْكَلُ غُرَرُ الْأَفْكَارِ

(قَوْلُهُ بِلَا عَطْفٍ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَصْلِ هُنَا تَرْكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>