للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَوْ أَقْلَفَ أَوْ أَخْرَسَ) (لَا) تَحِلُّ (ذَبِيحَةُ) غَيْرِ كِتَابِيٍّ مِنْ (وَثَنِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَمُرْتَدٍّ) وَجِنِّيٍّ وَجَبْرِيٍّ لَوْ أَبُوهُ سُنِّيًّا،

ــ

[رد المحتار]

وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْحَقَائِقِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ ذَاكِرًا لَهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِشَرْطِيَّتِهَا فَهُوَ فِي مَعْنَى النَّاسِي اهـ (قَوْلُهُ أَوْ أَقْلَفَ) هُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ وَكَذَا الْأَغْلَفُ. وَذَكَرَهُ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ ذَبِيحَتَهُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أَخْرَسَ) مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا، لِأَنَّ عَجْزَهُ عَنْ التَّسْمِيَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ ذَكَاتِهِ كَصَلَاتِهِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ غَيْرِ كِتَابِيٍّ) وَكَذَا الدُّرُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحِصْنِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، حَتَّى قَالَ: لَا تَحِلُّ الْقَرِيشَةُ الْمَعْمُولَةُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ وَقَوَاعِدُنَا تُوَافِقُهُ، إذْ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ. وَالْكِتَابِيُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِنَبِيٍّ وَيُقِرُّ بِكِتَابٍ رَمْلِيٌّ.

أَقُولُ: وَفِي بِلَادِ الدُّرُوزِ كَثِيرٌ مِنْ النَّصَارَى، فَإِذَا جِيءَ بِالْقَرِيشَةِ أَوْ الْجُبْنِ مِنْ بِلَادِهِمْ لَا يُحْكَمُ بِعَدَمِ الْحِلِّ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا مَعْمُولَةٌ بِإِنْفَحَةِ ذَبِيحَةِ دَرْزِيٍّ، وَإِلَّا فَقَدْ تُعْمَلُ بِغَيْرِ إنْفَحَةٍ، وَقَدْ يَذْبَحُ الذَّبِيحَةَ نَصْرَانِيٌّ تَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي عَنْ الْمُصَنِّفِ آخِرَ كِتَابِ الصَّيْدِ أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الذَّابِحِ أَهْلًا لِلذَّكَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَجِنِّيٍّ) لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ» اهـ أَشْبَاهٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَتَصَوَّرْ بِصُورَةِ الْآدَمِيِّ وَيَذْبَحُ وَإِلَّا فَتَحِلُّ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الصُّورَةِ وَيُحَرَّرُ اهـ ط (قَوْلُهُ وَجَبْرِيٍّ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْأَشْبَاهِ أَخَذَهُ مِنْ الْقُنْيَةِ، وَنَصُّ عِبَارَتِهَا بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ: وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُجْبِرَةِ إنْ كَانَ آبَاؤُهُمْ مُجْبِرَةً فَإِنَّهُمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ آبَاؤُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ تَحِلَّ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّينَ اهـ وَمُرَادُهُ بِأَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ رَئِيسُ أَهْلِ الِاعْتِزَالِ، وَبِالْمُجْبِرَةِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَ أَهْلَ السُّنَّةِ بِذَلِكَ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ الْجُشَمِيِّ مِنْهُمْ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْفُسُهُمْ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، فَقَدْ غَيَّرَ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ الْمُجْبِرَةَ بِالْجَبْرِيَّةِ اهـ مِنَحٌ.

أَقُولُ: وَأَيْضًا غَيَّرَ أَهْلَ الْعَدْلِ بِالسُّنِّيِّ، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَمْ يَتَسَمَّوْا بِأَهْلِ السُّنَّةِ بَلْ بِأَهْلِ الْعَدْلِ لِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْلُقُ الشَّرَّ لِزَعْمِهِمْ الْفَاسِدِ أَنَّ خِلَافَ ذَلِكَ ظُلْمٌ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ عُلُوًّا كَبِيرًا، لَكِنْ تَغْيِيرُهُ الْمُجْبِرَةَ بِالْجَبْرِيَّةِ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ، لِمَا فِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ الشَّرِيفِ: الْجَبْرُ إسْنَادُ فِعْلِ الْعَبْدِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَالْجَبْرِيَّةُ اثْنَتَانِ: مُتَوَسِّطَةٌ تُثْبِتُ لِلْعَبْدِ كَسْبًا فِي الْفِعْلِ كَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَخَالِصَةٌ لَا تُثْبِتُهُ كَالْجَهْمِيَّةِ اهـ.

فَالْجَبْرِيَّةُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا لَكِنَّ الْجَبْرِيَّةَ الْخَالِصَةَ يَقُولُونَ إنَّ الْعَبْدَ بِمَنْزِلَةِ الْجَمَادَاتِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَعْلَمُ الشَّيْءَ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَإِنَّ عِلْمَهُ حَادِثٌ لَا فِي مَحَلٍّ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَتَّصِفُ بِمَا يُوصَفُ بِهِ غَيْرُهُ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ يَفْنَيَانِ. وَوَافَقُوا الْمُعْتَزِلَةَ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْمَوَاقِفِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْجَبْرِيِّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَنَّ ذَبِيحَتَهُ لَا تَحِلُّ لَوْ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، فَهَذَا الْفَرْعُ مُخَرَّجٌ عَلَى عَقَائِدِ الْمُعْتَزِلَةِ الْفَاسِدَةِ، وَعَلَى تَكْفِيرِهِمْ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِمْ بِإِثْبَاتِ صِفَاتٍ قَدِيمَةٍ لَهُ تَعَالَى، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَالُوا: إنَّ النَّصَارَى كَفَرَتْ بِإِثْبَاتِ قَدِيمَيْنِ فَكَيْفَ بِإِثْبَاتِ قُدَمَاءَ كَثِيرَةٍ؟ وَرَدُّ ذَلِكَ مُوَضَّحٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْجَهْمِيَّةَ، وَأَنَّ ذَبِيحَةَ الْجَهْمِيِّ لَا تَحِلُّ لَوْ أَبُوهُ سُنِّيًّا لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ. وَالرَّاجِحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ خِلَافُهُ، وَأَنَّهُمْ فُسَّاقٌ عُصَاةٌ ضُلَّالٌ وَيُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَعَلَيْهِمْ وَيُحْكَمُ بِتَوَارُثِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنَّا. قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: نَعَمْ يَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>