للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَعَنْ شَمَائِلِنَا، وَهَذَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى خِلَافِهِ وَتَخْطِئَةِ قَائِلِهِ. ثُمَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: ٨٤] الْمُرَادُ: أَنَّهُ إِلَهٌ عِنْدَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَإِلَهٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأَرْضِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: فُلَانٌ نَبِيلٌ مُطَاعٌ فِي الْمُصْرَيْنِ أَيْ عِنْدِ أَهْلِهِمَا وَلَيْسَ يَعْنُونَ أَنَّ ذَاتَ الْمَذْكُورِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ مَوْجُودَةٌ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨] يَعْنِي: بِالْحِفْظِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ ذَاتَهُ مَعَهُمْ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦] مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: ٧] يَعْنِي: أَنَّهُ عَالِمٌ بِهِمْ وَبِمَا خَفِيَ مِنْ سِرِّهِمْ وَنَجْوَاهُمْ وَهَذَا إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قِيَاسًا عَلَى هَذَا: إِنَّ اللَّهَ بِالْبَرْدَيْنِ مَدِينَةِ السَّلَامِ وَدِمَشْقَ، وَأَنَّهُ مَعَ الثَّوْرِ وَالْحِمَارِ وَأَنَّهُ مَعَ الْفُسَّاقِ وَالْمُجَّانِ وَمَعَ الْمُصْعَدِينَ إِلَى حُلْوَانَ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} [النحل: ١٢٨] فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّأْوِيلُ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ هُوَ اسْتِيلَاؤُهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ

لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ هُوَ الْقُدْرَةُ وَالْقَهْرُ وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ قَادِرًا قَاهِرًا عَزِيزًا مُقْتَدِرًا وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ اسْتَوَى) يَقْتَضِي اسْتِفْتَاحُ هَذَا الْوَصْفِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ، ثُمَّ قَالَ: بَابُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَفَصِّلُوا لِي صِفَاتَ ذَاتِهِ مِنْ صِفَاتِ أَفْعَالِهِ لِأَعْرِفَ ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: صِفَاتُ ذَاتِهِ هِيَ الَّتِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِهَا وَهِيَ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامُ وَالْإِرَادَةُ وَالْبَقَاءُ وَالْوَجْهُ وَالْيَدَانِ وَالْعَيْنَانِ وَالْغَضَبُ

<<  <   >  >>