للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التشبيه بحال من يريد أن يفعل في الباني، لأنه لما ظهرت فيه أمارات الانقضاض، من ميل بعد انتصاب، واضطراب بعد ثبات، حسن أن يطلق عليه إرادة الوقوع، على طريق الاتساع.

وترد في كلامهم «كاد» بمعنى «أراد» ، «وأراد» بمعنى «كاد» . وجاء في القرآن العظيم قوله تعالى:

كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ [يوسف: ٧٦] أي أردنا ليوسف.

وقوله سبحانه. إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها [طه: ١٥] معناه- على أحد الأقوال- أريد أخفيها. ومما ورد في أشعارهم شاهدا على ذلك، قول عمر بن أبي ربيعة:

كادت وكدت، وتلك خيرا إرادة لو عاد من لهو الصّبابة ما مضى «١» فقال: وتلك خير إرادة، والإشارة إلى كادت، وكدت.

وأوضح من هذا قول الأفوه الأودي «٢» :

فإن تجمّع أوتاد وأعمدة وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا أي الذي أرادوا.

فأمّا قول الشاعر «٣» :

يريد الرّمح صدر أبي براء ... ويرغب عن دماء بني عقيل.


(١) . هذا البيت لم ينسب لقائله في «شرح شواهد الكشاف» المسمى «تنزيل الآيات، على الشواهد من الأبيات» للعلامة محب الدين أفندي، ولم ينسبه القرطبي لأحد وإنما نقل عن الأنباري قوله: وشاهد هذا قول الفصيح من الشعر. انظر «جامع أحكام القرآن» ج ١١ ص ١٨٤. [.....]
(٢) . هو صلاءة بن عمرو بن مالك. وهو شاعر يماني جاهلي اشتهر بالسيادة والقيادة. وهذا البيت من قصيدة مشهورة يقول فيها:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
وقبل بيت الشاهد هذا البيت:
والبيت لا يبتنى إلّا له عمد ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
وقد نسبه صاحب «شواهد الكشّاف» للراقدة الأودي، وهو تحريف مطبعي، لأن مثل هذا لا يخفى على العلامة محبّ الدين.
(٣) . لم ينسب هذا البيت لقائله في «جامع أحكام القرآن» ج ١١ ص ٢٦، وكذلك لم ينسبه ابن مطرف الكناني في كتابه «القرطين» طبع الخانجي ص ٢٦٩، واكتفى بما أنشده السجستاني عن أبي عبيدة. وكذلك لم ينسبه ابن قتيبة في «تأويل مشكل القرآن» ولا «لسان العرب» . وأبو براء هو عامر بن مالك، ولقبه ملاعب الأسنّة. وترى أخباره في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة صفحات ٢٣١، ٢٣٥، ٢٩٥، ٣٤٠، ٣٤١.