للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فليس يصح حمله على مقاربة الفعل، كما قلنا في قوله سبحانه:

جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ لأنه لا يستقيم على الكلام أن يقول: يكاد الرمح صدر أبي براء. وإنما ذلك على سبيل الاستعارة، لأن صاحب الرمح إذا أراد ذلك كان الرّمح كأنه مريد له. فأما قول الراعي يصف الإبل:

في مهمه فلقت به هاماتها ... فلق الفؤوس إذا أردن نصولا «١»

فإنه بمعنى مقاربة الفعل، لأنّ الفؤوس إذا فلقت في نصبها قاربت أن تسقط، فجعل ذلك كالإرادة منها.

والنّصول هاهنا مصدر نصل نصولا، مثل وقع وقوعا. وهذا البيت من أقوى الشواهد على الآية.

وقوله سبحانه: وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الآية ٩٩] وهذه استعارة.

لأنّ أصل الموجان من صفات الماء الكثير وإنما عبّر سبحانه بذلك عن شدة اختلافهم، ودخول بعضهم، في بعض لكثرة أضدادهم، تشبيها بموج البحر المتلاطم، والتفاف الدّبا «٢» المتعاظل.

وقوله سبحانه: الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي [الآية ١٠١] . وهذه استعارة. وليس المراد، أن عيونهم على الحقيقة كانت في غطاء يسترها، وحجاز يحجزها. وإنما المعنى: أنّهم كانوا ينظرون فلا يعتبرون، أو تعرض لهم العبر فلا ينظرون. ومن الدليل على ذلك قوله تعالى: عَنْ ذِكْرِي لأن الأعين لا توصف بأنها في غطاء عن ذكر الله تعالى، لأن ذلك من صفات ذوي العيون. وإنما المراد، أنّ أعينهم كانت تذهب صفحا عن مواقع العبر، فلا يفكّرون فيها، ولا يعتبرون بها، فيذكرون الله سبحانه عند إجالة أفكارهم، وتصريف خواطرهم. وهذا من غرائب القرآن وعجائبه، وغوامض هذا الكلام ومناسبه.

وقوله سبحانه:


(١) . لم ينسب هذا البيت لقائله في القرطبي ج ١١ ص ٢٦.
(٢) . الدّبا: الجراد الصغير، أو النمل. والمتعاظل: المتراكب بعضه في بعض وفي المعجم الوسيط: الدّبى بالألف المقصورة.