للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ يَقْتَضِي حَصْرَ الشُّفْعَةِ الَّذِي هُوَ قَابِلٌ لِلْقِسْمَةِ وَلَمْ يُقْسَمْ بَعْدُ وَالْخَبَرُ هَاهُنَا لَيْسَ مَعْرِفَةً بَلْ مَجْرُورًا وَتَقْدِيرُ الْخَبَرِ الشُّفْعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» يَقْتَضِي حَصْرَ الْأَعْمَالِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي النِّيَّاتِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ الْأَعْمَالُ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّيَّاتِ فَالْعَمَلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا كَمَا أَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا.

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] تَقْدِيرُهُ زَمَانُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَيَكُونُ وَقْتُ الْحَجِّ مَحْصُورًا فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَهُوَ الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ وَهَلْ هَذَا الْحَصْرُ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَبْلَهُ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْفَضِيلَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَيُكْرَهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَهُ فَإِنْ وَقَعَ صَحَّ قَوْلَانِ.

(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا قُلْت صَدِيقِي زَيْدٌ أَوْ زَيْدٌ صَدِيقِي اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي زَيْدٍ فَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي حَصْرَ أَصْدِقَائِك فِي زَيْدٍ فَلَا تُصَادِقُ أَنْتَ غَيْرَهُ وَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يُصَادِقَ غَيْرَك وَالثَّانِي يَقْتَضِي حَصْرَهُ فِي صَدَاقَتِك فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَادِقَ غَيْرَك وَأَنْتَ يَجُوزُ أَنْ تُصَادِقَ غَيْرَهُ عَلَى عَكْسِ الْأَوَّلِ.

(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي كِتَابِ الْإِعْجَازِ لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ قَدْ تَرِدُ لِحَصْرِ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ كَقَوْلِك زَيْدٌ الْقَائِمُ أَيْ لَا قَائِمَ إلَّا زَيْدٌ فَيُحْصَرُ وَصْفُ الْقِيَامِ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ الْخِلَافَةُ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُنْحَصِرَةٌ فِي أَبِي بَكْرٍ وَمِنْهُ زَيْدٌ النَّاقِلُ لِهَذَا الْخَبَرِ وَالْمُتَسَبِّبُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَالثَّانِي أَبَدًا مُنْحَصِرٌ فِي الْأَوَّلِ بِخِلَافِ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ أَبَدًا الْأَوَّلُ مُنْحَصِرٌ فِي الثَّانِي.

(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا قُلْتَ السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فُهِمَ مِنْهُ الْحَصْرُ فِي هَذَا الظَّرْفِ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ وَكَذَلِكَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْخَبَرِ فَقَدْ اتَّضَحَ لَكَ الْحَصْرُ لِلْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ مَعَ التَّعْرِيفِ وَالظَّرْفِ وَالْمَجْرُورِ بِخِلَافِ قَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ وَعَمْرٌو خَارِجٌ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ يَقْتَضِي حَصْرَ الشُّفْعَةِ فِي الَّذِي هُوَ قَابِلٌ لِلْقِسْمَةِ وَلَمْ يُقْسَمْ بَعْدُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْتُ مَا قَالَهُ دَعْوَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ.

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] إلَى آخِرِهَا قُلْتُ وَمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَعْوَى أَيْضًا.

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا قُلْتُ: صَدِيقِي زَيْدٌ وَزَيْدٌ صَدِيقِي إلَى آخِرِهَا قُلْتُ: قَوْلُ الْغَزَالِيِّ دَعْوَى أَيْضًا.

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ، قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي كِتَابِ الْإِعْجَازِ لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ قَدْ تَرُدُّ الْحَصْرَ الثَّانِيَ فِي الْأَوَّلِ كَقَوْلِك زَيْدٌ الْقَائِمُ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ وَقَوْلُ الْفَخْرِ دَعْوَى أَيْضًا.

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا قُلْتُ: السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فُهِمَ مِنْهُ الْحَصْرُ فِي هَذَا الظَّرْفِ إلَى آخِرِهَا قُلْتُ مَا قَالَهُ لَهُ هُنَا أَيْضًا دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يَطْرَأَ الْحَدَثُ وَالْحَدَثُ بِمَعْنَى الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ سَبَبُ الْمَنْعِ الْمُسْتَمِرِّ حَتَّى تَطْرَأَ الطَّهَارَةُ وَيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ فَيَكُونَ عَدَمُ الطَّهَارَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بِسَبَبِ الْمَنْعِ وَعَدَمُ الْحَدَثِ بِالْكُلِّيَّةِ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ فَإِذَا فُرِضَ وُقُوعُ عَدَمِ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ أَلْبَتَّةَ فَلَا مَانِعَ لَا بِنَصٍّ وَلَا بِإِجْمَاعٍ وَلَا بِقِيَاسٍ مِنْ الْتِزَامِنَا الْإِبَاحَةَ فِي حَقِّهِ.

قُلْت: وَمِمَّا يُقَرِّبُ هَذَا الْفَرْضَ مَا حَكَاهُ السُّبْكِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ مِنْ حَدِيثِ رَحْمَةَ بِنْتِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الطَّهْمَانِيِّ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ وَرَدَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ مَدِينَةً مِنْ مَدَائِنِ خُوَارِزْمَ تُدْعَى هِزَارَنِيفْ وَهِيَ فِي غَرْبِيِّ وَادِي جَيْحُونٍ وَمِنْهَا إلَى الْمَدِينَةِ الْعُظْمَى مَسَافَةُ نِصْفِ يَوْمٍ قَالَ وَأُخْبِرْت أَنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ الشُّهَدَاءِ رَأَتْ رُؤْيَا كَأَنَّهَا أُطْعِمَتْ فِي مَنَامِهَا شَيْئًا فَهِيَ لَا تَأْكُلُ شَيْئًا وَلَا تَشْرَبُ مُنْذُ عَهْدِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ طَاهِرٍ وَالِي خُرَاسَانَ وَكَانَ تُوُفِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ بِثَمَانِ سِنِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

ثُمَّ مَرَرْت بِتِلْكَ الْمَدِينَةِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَرَأَيْتهَا وَحَدَّثَتْنِي بِحَدِيثِهَا فَلَمْ أَسْتَقْصِ عَلَيْهَا لِحَدَاثَةِ سِنِّي ثُمَّ إنِّي عُدْت إلَى خُوَارِزْمَ فِي آخِرِ سَنَةِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ فَرَأَيْتهَا بَاقِيَةً وَوَجَدْت حَدِيثَهَا شَائِعًا مُسْتَفِيضًا وَهَذِهِ الْمَدِينَةُ عَلَى مُدْرَجَةِ الْقَوَافِلِ وَكَانَ الْكَثِيرُ مِمَّنْ يَنْزِلُهَا إذَا بَلَغَهُمْ قِصَّتَهَا أَحَبُّوا أَنْ يَنْظُرُوا إلَيْهَا فَلَا يَسْأَلُونَ عَنْهَا رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا غُلَامًا إلَّا عَرَفَهَا وَدَلَّ عَلَيْهَا فَلَمَّا وَافَيْت النَّاحِيَةَ طَلَبْتهَا فَوَجَدْتهَا غَائِبَةً عَلَى عِدَّةِ فَرَاسِخَ فَمَضَيْت فِي أَثَرِهَا مِنْ قَرْيَةٍ إلَى أُخْرَى فَأَدْرَكْتهَا بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ تَمْشِي مِشْيَةً قَوِيَّةً وَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ نِصْفُ جَيِّدَةِ الْقَامَةِ ظَاهِرَةُ الدَّمِ مُتَوَرِّدَةُ الْخَدَّيْنِ زَكِيَّةُ الْفُؤَادِ فَسَايَرَتْنِي وَأَنَا رَاكِبٌ فَعَرَضْت عَلَيْهَا مَرْكَبًا فَلَمْ تَرْكَبْهُ وَأَقْبَلَتْ تَمْشِي مَعِي بِقُوَّةٍ وَحَضَرَ مَجْلِسِي قَوْمٌ مِنْ التُّجَّارِ وَالدَّهَاقِينِ وَفِيهِمْ فَقِيهٌ يُسَمَّى مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ الْحَارِثِيُّ وَقَدْ كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبَزَّارُ بِمَكَّةَ، وَكَهْلٌ لَهُ عِبَارَةٌ وَرِوَايَةٌ لِلْحَدِيثِ، وَشَابٌّ حَسَنٌ يُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ يُحَلِّقُ أَصْحَابُ الْمَظَالِمِ بِنَاحِيَتِهِ فَسَأَلْتهمْ عَنْهَا فَأَحْسَنُوا الثَّنَاءَ عَلَيْهَا وَقَالُوا عَنْهَا خَيْرًا وَقَالُوا إنَّ أَمْرَهَا ظَاهِرٌ عِنْدَنَا فَلَيْسَ فِينَا مَنْ يَخْتَلِفُ فِيهَا قَالَ الْمُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَا أَسْمَعُ حَدِيثَهَا مُنْذُ أَيَّامِ الْحَدَاثَةِ وَنَشَأْت وَالنَّاسُ يَتَفَاوَضُونَ فِي خَبَرِهَا وَقَدْ فَرَّغْت بَالِي لَهَا وَشَغَلْت

<<  <  ج: ص:  >  >>