للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الدُّعَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الْخَبَرِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْخَبَرِ يَصِحُّ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ فَتُشَبِّهُ مَا وَقَعَ لَكَ أَمْسِ بِمَا وَقَعَ أَمْسِ لِشَخْصٍ آخَرَ وَتُشَبِّهُ مَا وَقَعَ لَكَ الْيَوْمَ بِمَا وَقَعَ لِغَيْرِكَ الْيَوْمَ وَتُشَبِّهُ مَا يَقَعُ لَكَ غَدًا بِمَا يَقَعُ لِغَيْرِك غَدًا وَكُلُّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ وَلَا يَقَعُ التَّشْبِيهُ فِي الدُّعَاءِ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ خَاصَّةً بِسَبَبِ أَنَّ عَشَرَةَ أَلْفَاظٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ وَهِيَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالدُّعَاءُ وَالشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالتَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي وَالْإِبَاحَةُ فَلَا يُؤْمَرُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَا يُنْهَى إلَّا عَنْ مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَا يُدْعَى إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبِلٍ وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا الْمَعْدُومَ الْمُسْتَقْبَلَ فَمَتَى وَقَعَ التَّشْبِيهُ فِي بَابٍ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ بَيْنَ لَفْظَيْنِ دُعَاءٍ أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ مَعَهَا إنَّمَا يَقَعُ فِي أَمْرَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ مَعْدُومَيْنِ لَمْ يُوجَدَا بَعْدُ.

وَبِاعْتِبَارِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ ظَهَرَتْ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ كَانَ يُورِدُ سُؤَالًا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» فَيَقُولُ كَيْفَ وَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ إعْطَاؤُهُ وَإِحْسَانُهُ وَعَطِيَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ أَعْظَمَ مِنْ عَطِيَّةِ اللَّهِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالتَّشْبِيهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ أَدْنَى رُتْبَةً مِنْ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَوْ مُسَاوِيًا فَكَيْفَ وَقَعَ هَذَا التَّشْبِيهُ وَكَانَ يُجِيبُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنَّ آلَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْبِيَاءُ وَآلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسُوا أَنْبِيَاءَ وَالتَّشْبِيهُ إنَّمَا وَقَعَ بَيْنَ الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الدُّعَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الْخَبَرِ إلَى قَوْلِهِ إنَّمَا يَقَعُ فِي أَمْرَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ مَعْدُومَيْنِ لَمْ يُوجَدَا بَعْدُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ وَأَطْلَقَ قَوْلَهُ فِيهِ مِنْ أَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَقَعُ فِي الدُّعَاءِ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ عَشَرَةَ أَلْفَاظٍ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ صَحِيحٌ إلَّا فِي الشَّرْطِ خَاصَّةً وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ فِي التَّشْبِيهِ فِي الدُّعَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ كَوْنُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُسْتَقْبِلِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَشْبِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبِلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَشْبِيهَ دُعَاءٍ بِدُعَاءٍ وَأَمْرٍ بِأَمْرٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ.

قَالَ (وَبِاعْتِبَارِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ ظَهَرَتْ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ وَذَكَرَ مَا كَانَ يُورِدُهُ عِزُّ الدِّينِ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ صَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

نَفْسِي بِالِاسْتِقْصَاءِ عَلَيْهَا فَلَمْ أَرَ إلَّا سَتْرًا وعَفَافًا وَلَمْ أَعْثُرْ مِنْهَا عَلَى كَذِبٍ فِي دَعْوَاهَا وَلَا حِيلَةٍ فِي التَّلْبِيسِ، وَذَكَرَ أَنَّ مَنْ كَانَ يَلِي خُوَارِزْمَ مِنْ الْعُمَّالِ كَانُوا فِيمَا خَلَا يَشْخَصُونَهَا وَيَحْضُرُونَهَا الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ وَالْأَكْثَرَ فِي بَيْتٍ يُغْلِقُونَهُ عَلَيْهَا وَيُوَكِّلُونَ عَلَيْهَا مَنْ يُرَاعِيهَا فَلَا يَرَوْنَهَا تَأْكُلُ وَلَا تَشْرَبُ وَلَا يَجِدُونَ لَهَا أَثَرَ بَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ فَيَبَرُّونَهَا وَيَكْسُونَهَا وَيُخَلُّونَ سَبِيلَهَا، فَلَمَّا تَوَاطَأَ أَهْلُ النَّاحِيَةِ عَلَى تَصْدِيقِهَا قَصَصْتهَا عَنْ حَدِيثِهَا وَسَأَلْتُهَا عَنْ اسْمِهَا وَشَأْنِهَا كُلِّهِ فَذَكَرَتْ أَنَّ اسْمَهَا رَحْمَةُ بِنْتُ إبْرَاهِيمَ وَأَنَّهُ كَانَ لَهَا زَوْجٌ نَجَّارٌ فَقِيرٌ مَعِيشَتُهُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ يَأْتِيهِ رِزْقُهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَضْلَ فِي كَسْبِهِ عَنْ قُوتِ أَهْلِهِ وَأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ عِدَّةَ أَوْلَادٍ وَجَاءَ الْأَقْطَعُ مَلِكُ التُّرْكِ إلَى الْقَرْيَةِ وَكَانَ كَافِرًا عَاتِيًا كَثِيرَ الْعَدَاوَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي زُهَاءِ ثَلَاثَةِ آلَافِ فَارِسٍ وَعَاثَ وَأَفْسَدَ وَقَتَلَ وَمَثَّلَ وَعَجَزَتْ عَنْهُ خُيُولُ خُوَارِزْمَ، فَلَمَّا بَلَغَ خَبَرُهُ أَبَا الْعَبَّاسِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ أَنْهَضَ إلَيْهِمْ أَرْبَعَةً مِنْ الْقُوَّادِ وَشَحَنَ الْبَلَدَ بِالْعَسَاكِرِ وَالْأَسْلِحَةِ وَرَتَّبَهُمْ فِي أَرْبَاعِ الْبَلَدِ كُلٌّ فِي رُبْعٍ فَحَمَوْا الْحَرِيمَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.

ثُمَّ إنَّ وَادِيَ جَيْحُونٍ وَهُوَ الَّذِي فِي أَعْلَى نَهْرِ بَلْخٍ جَمَدَ لَمَّا اشْتَدَّ الْبَرْدُ قَالَتْ الْمَرْأَةُ فَعَبَرَ الْكَافِرُ فِي خَيْلِهِ إلَى بَابِ الْحِصْنِ وَقَدْ تَحَصَّنَ النَّاسُ وَضَمُّوا أَمْتِعَتَهُمْ فَحَضَرَ أَهْلُ النَّاحِيَةِ وَأَرَادُوا الْخُرُوجَ فَمَنَعَهُمْ الْعَامِلُ عَنْ الْخُرُوجِ إلَّا فِي عَسَاكِرِ السُّلْطَانِ فَشَدَّ طَائِفَةٌ مِنْ شُبَّانِ النَّاسِ وَأَحْدَاثِهِمْ فَتَقَارَبُوا مِنْ السُّورِ بِمَا أَطَاقُوا حَمْلَهُ مِنْ السِّلَاحِ وَحَمَلُوا عَلَى الْكَفَرَةِ فَتَهَارَجَ الْكَفَرَةُ وَاسْتَحَرُّوهُمْ مِنْ بَيْنِ الْأَبْنِيَةِ وَالْحِيطَانِ فَلَمَّا أَصْحَرُوا أَكْثَرَ التُّرْكُ عَلَيْهِمْ وَانْقَطَعَ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحِصْنِ وَبَعُدَتْ الْمُؤْنَةُ عَنْهُمْ فَحَارَبُوا كَأَشَدِّ حَرْبٍ وَثَبَتُوا حَتَّى تَقَطَّعَتْ الْأَوْتَارُ وَالْقِسِيُّ وَأَدْرَكَهُمْ التَّعَبُ وَمَسَّهُمْ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَقُتِلَ عَامَّتُهُمْ وَأُثْخِنَ الْبَاقُونَ بِالْجِرَاحَاتِ، وَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِمْ اللَّيْلُ تَحَاجَزَ الْفَرِيقَانِ قَالَتْ الْمَرْأَةُ وَرُفِعَتْ النَّارُ عَلَى الْمَنَاظِرِ سَاعَةَ عُبُورِ الْكَافِرِ فَاتَّصَلَتْ بالجرجانية وَهِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ فِي قَاصِيَةِ خُوَارِزْمَ وَكَانَ مِيكَالُ مَوْلَى طَاهِرٍ مُرَابِطًا بِهَا فِي عَسْكَرٍ فَخَفَّ فِي الطَّلَبِ وَرَكَضَ إلَى هِزَارَنِيفْ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَرْبَعِينَ فَرْسَخًا بِفَرَاسِخِ خُوَارِزْمَ وَفِيهَا فَضْلٌ كَثِيرٌ عَلَى فَرَاسِخِ خُرَاسَانَ وَعَنَّ لِلتُّرْكِ الْفَرَاغُ مِنْ أَمْرِ أُولَئِكَ النَّفَرِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ ارْتَفَعَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>