للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى سَبَبٍ مَخْصُوصٍ)

اعْلَمْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ قَدْ تَثْبُتُ مُطْلَقًا فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا وَقَدْ تَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْل مِنْ جِهَة ذَلِكَ السَّبَب وَيَكُون عَلَيْهِ حَرَج فِي الْإِقْدَام بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ آخَرَ فَالتَّحْرِيمُ يَجْتَمِعُ مَعَ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ وَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْإِبَاحَةِ الْأُولَى وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّحْرِيمِ قَدْ تَجْتَمِعُ وَقَدْ تَفْتَرِقُ فَإِنْ اجْتَمَعَ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ فَأَكْثَرُ لِتَحْرِيمٍ فَارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ خَاصَّةً وَبَقِيَ الْفِعْلُ مُحَرَّمًا بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ لِلتَّحْرِيمِ فَزَالَ وَخَلَفَهُ سَبَبٌ آخَرُ صَدَقَتْ الْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَصَدَقَ التَّحْرِيمُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الْمُتَجَدِّدِ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَبِمَعْرِفَةِ هَذَا الْفَرْقِ تَحْصُلُ أَجْوِبَةٌ عَنْ أَسْئِلَةٍ كَثِيرَةٍ فِي الْفِقْهِ وَالنُّصُوصِ وَأَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مُقْتَضَى حَتَّى الَّتِي هِيَ حَرْفُ غَايَةٍ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا مُخَالِفًا لِمَا بَعْدَهَا وَيَكُونَ مَا بَعْدَهَا نَقِيضَ مَا قَبْلَهَا وَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَلَالًا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا زَوْجٌ آخَرُ وَوَطِئَهَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إجْمَاعًا بَلْ هِيَ حَرَامٌ عَلَى حَالِهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا هَذَا الزَّوْجُ وَإِذَا طَلَّقَهَا لَا تَحِلُّ حَتَّى يَعْقِدَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَا تَحِلُّ حَتَّى تُنْفَى مَوَانِعُ الْوَطْءِ مِنْ الْحَيْضِ وَالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ فَلَمْ يَحْصُلْ مُقْتَضَى الْغَايَةِ فَهَلْ هَذِهِ هِيَ الْغَايَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى بَابِهَا مُقْتَضِيَةٌ لِثُبُوتِ النَّقِيضِ أَوْ هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ قَاعِدَةِ الْغَايَاتِ بِالْإِجْمَاعِ

(وَالْجَوَابُ) أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى بَابِهَا وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَبِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي صَارَتْ مُبَاحَةً مِنْ جِهَةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ وَزَالَ التَّحْرِيمُ النَّاشِئُ عَنْهُ وَبَقِيَ التَّحْرِيمُ بِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَتَجَدَّدَ سَبَبٌ آخَرُ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ كَوْنُهَا زَوْجَةً لِغَيْرِهِ فَقَدْ خَلَفَ السَّبَبَ الزَّائِلَ سَبَبٌ آخَرُ وَزَالَ التَّحْرِيمُ الْكَائِنُ بِسَبَبِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ وَثَبَتَ مُقْتَضَى الْغَايَةِ وَإِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي بَقِيَتْ مُحَرَّمَةً بِالْعِدَّةِ وَهُوَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَيْضًا

(الْأُولَى) الْمَرْأَةُ يُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ حَيَاتُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا لَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ وَقِيلَ يُفِيتُهَا الدُّخُولُ

(الثَّانِيَةُ) الْمُطَلَّقَةُ بِسَبَبِ الْإِعْسَارِ لِلنَّفَقَةِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي

(الثَّالِثَةُ الرَّجُلُ) يَقُولُ عَائِشَةُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ حَاضِرَةٌ اسْمُهَا عَائِشَةُ وَقَالَ لَمْ أُرِدْهَا وَلِي امْرَأَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ بِبَلَدٍ آخَرَ وَهِيَ الَّتِي أَرَدْت فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحَاضِرَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَإِنْ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَلَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ

(الرَّابِعَةُ) الْأَمَةُ تَعْتِقُ وَتَخْتَارُ نَفْسَهَا وَتَتَزَوَّجُ وَيَدْخُلُ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ عِتْقُ زَوْجِهَا قَبْلَهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ يُفِيتُهَا الدُّخُولُ وَسَوَّى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فِي اعْتِبَارِ الْعَقْدِ السَّابِقِ فِي بَابَيْ الْبَيْعِ كَالنِّكَاحِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِهِ وَالْعَقْدُ الَّذِي بَعْدَهُ بَاطِلٌ حَصَلَ دُخُولٌ أَمْ لَا وَهُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ عَقْدِ النِّكَاحِ أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً عَنْ زَوْجٍ وَهَذِهِ ذَاتُ زَوْجٍ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَمَدَ عَلَى قَضَاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَقَضَاءِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَأَفَاتُوا الْمَرْأَةَ بِالدُّخُولِ وَهَذَا مُدْرَكٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَحْتَاجُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لِأَمْرَيْنِ

(الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) بَيَانُ سِرِّ الْفَرْقِ الْمَقْصُودِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ إبْطَالُ أَثَرِ الْعَقْدِ السَّابِقِ، وَتَسْلِيطُ الشَّفِيعِ عَلَى إبْطَالِهِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَى الشَّرِيكِ مِنْ تَوَقُّعِ الْقِسْمَةِ وَإِذَا قُضِيَ بِتَقْدِيمِ مُجَرَّدِ الضَّرَرِ الْمُتَوَقَّعِ غَيْرِ النَّاجِزِ بِدُونِ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ عَقْدٌ عَلَى الْعَقْدِ هُنَالِكَ وَجَبَ أَنْ يُقْضَى هَاهُنَا بِتَقْدِيمِ الضَّرَرِ النَّاجِزِ الْمُنْضَمِّ إلَيْهِ عَقْدٌ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَمَّا كَوْنُ ضَرَرِ الشَّرِيكِ فِي الشُّفْعَةِ مُتَوَقَّعًا لَا نَاجِزًا فَلِأَنَّهَا قَدْ تَحْصُلُ وَقَدْ لَا تَقَعُ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا كَوْنُ ضَرَرِ فِرَاقِ الثَّانِي إذَا دَخَلَ هُنَا نَاجِزًا لَا مُتَوَقَّعًا فَلِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يَتَزَوَّجُ فِي الْغَالِبِ مَنْ مَالَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مَعَ الْمَيْلِ الْمُتَقَدِّمِ وُجِدَتْ الرُّؤْيَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ فَالْغَالِبُ حُصُولُ الْمَيْلِ وَكَذَلِكَ هِيَ أَيْضًا إنَّمَا رَضِيَتْ بِهِ بَعْدَ مَيْلِ نَفْسِهَا إلَيْهِ فَإِذَا بَاشَرَتْهُ مَعَ الْمَيْلِ الْمُتَقَدِّمِ وَحُصُولِ الْأَرَبِ فَالْغَالِبُ حُصُولُ الْمَيْلِ وَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ حُصُولُ الْمَيْلِ إمَّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِمَّا مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَوْ قَضَيْنَا بِالْفِرَاقِ بَعْدَ هَذَا الْمَيْلِ النَّاشِئِ مِنْ الدُّخُولِ وَقَضَاءِ الْأَوْطَارِ لَحَصَلَ الضَّرَرُ النَّاجِزُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ الْمَيْلُ بِأَلَمِ الْفِرَاقِ فَضَرَرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِي وَاقِعٌ وَضَرَرُ الشُّفْعَةِ مُتَوَقَّعٌ وَالْوَاقِعُ أَقْوَى مِنْ الْمُتَوَقَّعِ وَأَمَّا كَوْنُ الضَّرَرِ هُنَا مَعْضُودًا بِعَقْدٍ بِخِلَافِهِ فِي الشُّفْعَةِ فَلِأَنَّ الشَّرِيكَ الشَّفِيعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>