للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ الصَّرِيحُ الطَّلَاقُ وَمَا اشْتَهَرَ مَعَهُ كَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا، وَقِيلَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ كَالطَّلَاقِ وَالسَّرَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] وقَوْله تَعَالَى {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] وَالْفِرَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠] ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَبِمَاذَا يَلْزَمُ هَلْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ لِمَالِكٍ وَيُرِيدُ بِالنِّيَّةِ التَّطْلِيقَ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ، وَقِيلَ بِاللَّفْظِ فَقَطْ قَالَ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا هَذَا فِي الْفُتْيَا.

وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ وَلَا يُصَدَّقُ اتِّفَاقًا وَالْكِنَايَةُ أَصْلُهَا مَا فِيهِ خَفَاءٌ وَمِنْهُ كَنَيْتَهُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَأَنَّك أَخْفَيْت الِاسْمَ بِالْكُنْيَةِ تَعْظِيمًا لَهُ وَمِنْهُ الْكِنُّ لِإِخْفَائِهِ الْأَجْسَامَ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ فَالْكِنَايَةُ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لُغَةً وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ كَنَيْت وَكَنَوْتُ وَكُنْيَةٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَضَابِطُ مَشْهُورِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ دَلَّ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فَهُوَ صَرِيحٌ. وَهَذَا هُوَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ وَحَلَالٌ طَلْقٌ وَانْطَلَقَتْ بَطْنُهُ وَأُطْلِقَ فُلَانٌ مِنْ السِّجْنِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، وَقَدْ طَلَّقْتُك أَوْ الطَّلَاقُ لَازِمٌ أَوْ قَدْ أَوْقَعْت عَلَيْك الطَّلَاقَ وَأَنَا طَالِقٌ مِنْك وَالْكِنَايَةُ مَا لَيْسَ مَوْضُوعًا لَهُ لُغَةً لَكِنْ يَحْسُنُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ مَجَازًا لِوُجُودِ الْعَلَاقَةِ الْقَرِيبَةِ بَيْنَهُمَا

قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْكِنَايَاتِ نَحْوَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَالْكِنَايَةُ أَصْلُهَا مَا فِيهِ خَفَاءٌ وَمِنْهُ الْكِنُّ لِإِخْفَائِهِ الْأَجْسَامَ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ) ، قُلْت هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ النُّحَاةِ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ مُحَقِّقِيهِمْ وَمَا أَرَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَصِحُّ عِنْدَ مَنْ صَحَّحَهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ ثَالِثَ حُرُوفِهَا يَاءٌ أَوْ وَاوٌ وَالْكِنُّ ثَالِثُ حُرُوفِهِ نُونٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ إبْدَالَ النُّونِ وَفِي ذَلِكَ بُعْدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (فَالْكِنَايَةُ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لُغَةً إلَى قَوْلِهِ مِنْ السِّجْنِ) ، قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ، بَلْ لِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ خَاصَّةً وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ إشَارَةٌ إلَى الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ.

قَالَ (قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ إلَى قَوْلِهِ وَأَنَا طَالِقٌ مِنْك) ، قُلْت مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ صَحِيحٌ وَهُوَ الصَّرِيحُ وَمَا قَالَ شِهَابُ الدِّينِ بَعْدُ صَحِيحٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

تِلْكَ الْآفَةُ عَنْ التِّسْعَةِ أَوْ أَخَّرَتْهُ عَنْ السَّبْعَةِ وَاَلَّذِي بِهِ آفَةٌ لَا يَعِيشُ فَالْمَوْلُودُ لِثَمَانِيَةٍ لَا يَعِيشُ هَذَا هُوَ الْمَنْهَجُ الْعَامُّ وَالْعَادَةُ الْغَالِبَةُ قَالُوا وَقَدْ يَحْصُلُ عَارِضٌ إمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَنِيِّ فِي مِزَاجِهِ وَبَرْدِهِ وَيَبَسِهِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ فِي بَرْدِهِ أَوْ هَيْئَةٍ فِيهِ تَمْنَعُ مِنْ جَرَيَانِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَيَقْعُدُ الْوَلَدُ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَقَالَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُؤَرِّخُونَ هَذِهِ الْأَسْبَابُ الْعَارِضَةُ قَدْ تُؤَخِّرُ الْوَلَدَ إلَى سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ إلَى خَمْسِ سِنِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ وَوَقَعَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى سَبْعَةٍ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ بِوَاسِطَ لِسَبْعِ سِنِينَ وَلَدًا لَهُ وَفْرَةٌ مِنْ الشَّعْرِ فَجَاءَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ بِجَنْبِهِ طَائِرٌ فَقَالَ لَهُ كِشْ، وَقَالَ مَالِكٌ إنَّ امْرَأَةَ الْعَجْلَانِيِّ دَائِمًا لَا تَضَعُ إلَّا لِخَمْسِ سِنِينَ وَهَذَا مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ الْغَرِيبَةِ فِي هَذِهِ الْمَحَالِّ وَالْغَالِبُ هُوَ الْأَوَّلُ. اهـ

كَلَامُ الشِّهَابِ وَوَجْهُ عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا حَكَاهُ عَنْ الْأَطِبَّاءِ هُوَ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا عَلَى مُقْتَضَى الْحِسِّ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْآيَةِ وَمُقْتَضَى الشَّرْعِ مُقَدَّمٌ وَلَا تَضُرُّ مُخَالَفَتُهُ لِمُقْتَضَى الْحِسِّ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ إبْطَالُ مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا نُطْفَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ عَلَقَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْحَرَكَةَ فِي جَمِيعِ الْأَجِنَّةِ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالْوَضْعَ لِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَهُوَ يَقْتَضِي تَكْذِيبَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِهِ بِأَنْ يُقَالَ إنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْأَطْوَارِ الثَّلَاثَةِ تَقْرِيبًا فَإِنَّ الْأَرْبَعِينَ تَقْرُبُ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَهِيَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَطْوَارِ مُتَوَسِّطَةٌ تَكَادُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْجَمِيعِ بِتَوَسُّطِهَا وَدَعْوَى أَنَّ كَوْنَ الْحَرَكَةِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالْوَضْعِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَإِنْ كَانَ صُورَةً وَاقِعَةً صَحِيحَةً غَيْرَ أَنَّهَا نَادِرَةٌ.

وَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى النَّادِرِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ نَظَرًا لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لِصُوَرِ التَّخْلِيقِ وَالتَّحَرُّكِ وَالْوَضْعِ الْمُتَقَدِّمِ تَقْدِيرُهُ مُشَرِّحُونَ كَانُوا يُشَرِّحُونَ الْحَبَالَى وَيَشُقُّونَ أَجْوَافَهُمْ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَيَطَّلِعُونَ عَلَى ذَلِكَ حِسًّا وَعِيَانًا وَالْحِسُّ يُؤَوَّلُ لِأَجْلِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ صِيغَةٌ مُطْلَقَةٌ لَا عُمُومَ فِيهَا فَيَتَأَدَّى بِصُورَةٍ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَحَصَلَ الْوَضْعُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَحَصَلَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَصَدَقَ الْخَبَرُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعُدُولِ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ دَعْوَى غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>