للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ بَتْلَةٌ أَوْ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ كَالْمَيِّتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْفِرَاقُ أَوْ السَّرَاحُ أَوْ اعْتَدِّي وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ فَالْخَلِيَّةُ الْفَارِغَةُ وَالْفَرَاغُ حَقِيقَةٌ فِي خُلُوِّ جِسْمٍ مِنْ جِسْمِ فَشَبَّهَ بِهِ خُلُوَّ الْمَرْأَةِ مِنْ عِصْمَةِ النِّكَاحِ وَالْبَرِيَّةُ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَهُوَ مُطْلَقُ السَّلْبِ كَيْفَ كَانَ الْمَسْلُوبُ وَالْبَائِنُ مِنْ الْبَيْنِ وَهُوَ الْبُعْدُ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَيُقَالُ فِي الْمَعَانِي بَوْنٌ لَا بَيْنٌ شَبَّهَ الْبُعْدَ مِنْ الْعِصْمَةِ بِالْبُعْدِ بَيْنَ الْجِسْمَيْنِ وَالْبَتُّ الْقَطْعُ فِي جِسْمٍ شَبَّهَ بِهِ قَطْعَ الْعِصْمَةِ، وَكَذَلِكَ الْبَتْلَةُ وَمِنْهُ فَاطِمَةُ الْبَتُولُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِانْقِطَاعِهَا فِي الشَّرَفِ عَنْ النِّسَاءِ، وَقِيلَ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ الْأَزْوَاجِ إلَّا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْهُ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك؛ لِأَنَّ عَادَةَ الدَّابَّةِ فِي الرَّعْيِ إذَا أَمْسَكَ صَاحِبُهَا حَبْلَهَا لَا تَتَهَنَّى فِي الرَّعْيِ لِتَوَهُّمِهَا أَنَّهُ يَجُرُّهَا بِهِ.

وَإِذَا أَرَادَ تَهْنِئَتَهَا بِالرَّعْيِ أَلْقَى حَبْلَهَا عَلَى كَتِفِهَا وَهُوَ غَارِبُهَا فَتَطْمَئِنُّ حِينَئِذٍ فَشَبَّهَ بِهِ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُخْلَاةً لِنَفْسِهَا، وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي وَمَا لَيْسَ فِي عَلَاقَةٍ قَرِيبَةٍ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مَجَازًا وَيُسَمَّى مَجَازَ التَّعْقِيدِ إذَا اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى الْعَلَاقَةِ الْبَعِيدَةِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى مَنْعِهِ كَقَوْلِهِ تَزَوَّجْت بِنْتَ الْأَمِيرِ وَيُفَسِّرُ ذَلِكَ بِرُؤْيَتِهِ لِوَالِدِ عَاقِدِ الْأَنْكِحَةِ بِالْمَدِينَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ لَوَازِمِهِ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ مُبِيحُهُ؛ وَالْعَقْدُ مِنْ لَوَازِمِهِ الْعَاقِدُ لِأَنَّهُ فَاعِلُهُ؛ وَالْعَاقِدُ مِنْ لَوَازِمِهِ أَبُوهُ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ فَهَذَا الْقِسْمُ وَمَا لَيْسَ فِيهِ عَلَاقَةُ الْبَتَّةِ لَا قَرِيبَةً وَلَا بَعِيدَةً هُوَ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ اسْقِنِي الْمَاءَ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَالْمَشْهُورُ لُزُومُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ هُوَ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ، وَقِيلَ، بَلْ بِاللَّفْظِ كَأَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ وَضَعَهُ الْآنَ لِلطَّلَاقِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْوَضْعِ لَا نَجِدُهُ يَخْطِرُ بِبَالِ النَّاسِ فِي الْعَادَةِ عِنْدَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّيَّةِ لَا يَلْزَمُ وَاللَّفْظَ لَا يَصْلُحُ وَتَحْتَاجُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ اللُّغَاتِ هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ أَوْ اصْطِلَاحِيَّةٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّوْقِيفِ وَأَنَّ اللُّغَاتِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَتَحْتَاجُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ اللُّغَاتِ هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ أَوْ اصْطِلَاحِيَّةٌ إلَى قَوْلِهِ قَالَا وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ اللُّغَاتِ اصْطِلَاحِيَّةٌ جَازَ جَمِيعُ ذَلِكَ) ، قُلْت لَا أَدْرِي مَا دَلِيلُهُمَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ وَضْعِ لَفْظِ اسْقِنِي الْمَاءَ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِاسْتِدْعَاءِ سَقْيِ الْمَاءِ بِوَضْعِ اللَّهِ تَعَالَى

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْمُشَرِّحِينَ الْمَذْكُورِينَ قَوْمٌ كُفَّارٌ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمْ فِي الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ فَلَا يَنْبَنِي عَلَى قَوْلِهِمْ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَعَدَمُ لُحُوقِهِ حَتَّى يُقَالَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ وُلِدَ تَامًّا فَلَا يَتِمُّ بَعْدَ الْوَطْءِ إلَّا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا أَمَّا أَقَلُّ فَلَا وَإِذَا لَمْ تَلِدْهُ تَامًّا نُظِرَتْ نِسْبَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِذَلِكَ التَّخَلُّقِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ تَصْلُحُ لَهُ أَلْحَقَتْهُ بِالْوَاطِئِ.

وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لَهُ لَمْ يَلْحَقْ فَقَدْ يَلْحَقُ بِهِ لِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ تَصْلُحُ لِذَلِكَ التَّخَلُّقِ وَقَبُولُ قَوْلِ الْكَافِرِ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ مِنْ الطِّبِّيَّاتِ وَالْجِرَاحَاتِ وَكُلِّ مَا هُوَ عِلْمُهُمْ وَدِرَايَتُهُمْ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي مَوَاطِنِ إلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى قَبُولِ قَوْلِهِمْ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ لُحُوقِ الْوَلَدِ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ لِأَنَّ الْآيَةَ يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا تَعْيِينَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَلْحَقُ فِيهَا الْوَلَدُ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ تَكْذِيبَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ كَمَا عَلِمْت. اهـ

كَلَامَ ابْنِ الشَّاطِّ بِتَوْضِيحٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ اعْتَبَرَ ظَاهِرَ الْآيَةِ وَظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ الْوَاطِئَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مُقْتَضَى الْحِسِّ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى مُقْتَضَى ظَاهِرِ الشَّرْعِ إذْ لَا تَضُرُّ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لِمُقْتَضَى الْحِسِّ

(الثَّانِي) أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ لُحُوقِ الْوَلَدِ لَيْسَ مِنْ مَوَاطِنِ إلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى قَبُولِ أَقْوَالِ الْكُفَّارِ حَتَّى يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلُ الْمُشَرِّحِينَ مِنْ الْأَطِبَّاءِ الْكُفَّارِ وَالْعَلَّامَةُ الشِّهَابُ اعْتَبَرَ مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ نَظَرًا لِكَوْنِهِمْ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا قَدْ شَرَّحُوا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ مِنْ الْحَبَالَى وَشَقُّوا أَجْوَافَهُمْ وَاطَّلَعُوا عَلَى ذَلِكَ حِسًّا وَعِيَانًا وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكُفَّارِ وَلَا شَهَادَتُهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّهَادَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ قَضَايَا الْحُكَّامِ أَمَّا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطِّبِّيَّاتِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْأُمُورِ الَّتِي هِيَ عِلْمُهُمْ وَدِرَايَتُهُمْ فَقَدْ لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ قَوْلٌ عَلَى قَوْلِ الْكَافِرِ فِي ذَلِكَ وَيُثَرِّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ كَمَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ الْوَاطِئَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَيْثُ لَمْ تَلِدْهُ تَامًّا فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِلتَّخَلُّقِ الَّذِي وُلِدَ عَلَيْهِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الْغَالِبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَطِبَّاءُ وَأَمَّا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَإِمَّا مَحْمُولٌ عَلَى صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ غَيْرِ الْغَالِبَةِ وَإِنْ كَانَتْ نَادِرَةً لِيَحْصُلَ مُقْتَضَاهُ وَتَصْدُقُ صِيغَةُ إطْلَاقِهِ بِصُورَةٍ مَا بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى الْعُدُولِ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْأَطْوَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الْغَائِبِ لَا عَلَى النَّادِرِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَنُظِرَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْحِسَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>