للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي أَيِّ بُقْعَةٍ كَانُوا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَإِذَا كَانَ لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ إلَّا الْعُمُومُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وَضْعِهَا لَهُ.

(الْوَجْهُ الثَّانِي) الدَّالُّ عَلَى كَوْنِهَا لِلْعُمُومِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي جَمِيعِ صِيَغِ الْعُمُومِ أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ نَحْوَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْحُكْمُ بِالطَّهُورِيَّةِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَاءِ وَجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَيْتَةِ وَأَيْنَ وَحَيْثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمُ جِنْسِ الْمَكَانِ وَهُمَا مُضَافَانِ لِمَا بَعْدَهُمَا بَلْ الْإِضَافَةُ لَازِمَةٌ لَهُمَا فَيَكُونَانِ لِلْعُمُومِ فَإِنْ قُلْتَ: ذَلِكَ يَبْطُلُ بِإِذَا وَإِذْ وَعِنْدَ وَوَرَاءَ وَقُدَّامَ وَبَقِيَّةِ الْجِهَاتِ السِّتِّ وَغَيْرِ وَسِوَى وَشِبْهِ وَمِثْلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ مَعَ وُجُودِ الْإِضَافَةِ الَّتِي هِيَ فِي حَيْثُ وَأَيْنَ قُلْتُ: الْتَزَمَ أَنَّ الْجَمِيعَ لِلْعُمُومِ.

وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ كُلَّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى صِيَغِ الْعُمُومِ إنَّمَا يَعُمُّ فِيمَا أُضِيفَ إلَيْهِ خَاصَّةً فَإِذَا قُلْتَ: كُلُّ رِجْلٍ لَهُ دِرْهَمٌ إنَّمَا يَعُمُّ الرِّجَالَ وَلَوْ قُلْتَ: كُلُّ حَيَوَانٍ إنَّمَا عَمَّ الْحَيَوَانَاتِ كُلَّهَا وَلَوْ قُلْنَا: كُلُّ نَبِيٍّ اخْتَصَّ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يَتَعَدَّى الْعُمُومُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ: إذَا قَالَ الْقَائِلُ: إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ حُرٌّ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي زَمَنِ الزَّوَالِ خَاصَّةً وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلْعُمُومِ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت: آتِيك إذَا جَاءَ زَيْدٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ زَمَانِ مَجِيءِ زَيْدٍ وَكَذَلِكَ عِنْدَك مَالٌ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ حَوْزَتِك وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: ٩٦] عَامٌّ فِي جَمِيعِ بِقَاعِنَا الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَمْوَالِنَا وَمَمْلُوكَاتِنَا وَكَذَلِكَ وَرَاءَكَ وَأَمَامَكَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْبِقَاعِ الَّتِي هِيَ وَرَاءَكَ وَأَمَامَكَ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَلَا نِهَايَةٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَدٍّ أُشِيرَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ اللَّفْظُ فِيهِ حَقِيقَةً وَكَانَ اللَّفْظُ مُتَنَاوِلًا لَهُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْجِهَاتِ السِّتِّ عَامَّةٌ فِي مُسَمَّيَاتِهَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَمَا جَعَلَهُ جَوَابًا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَاضِدٌ لِلسُّؤَالِ.

قَالَ: (فَإِنْ قُلْتَ: ذَلِكَ يَبْطُلُ بِإِذَا وَإِذْ وَعِنْدَ وَوَرَاءَ وَقُدَّامَ وَبَقِيَّةِ الْجِهَاتِ السِّتِّ وَغَيْرِ وَسِوَى وَشِبْهِ وَمِثْلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَعَدَّى الْعُمُومُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ) قُلْتُ: الْتِزَامُهُ أَنَّ الْجَمِيعَ لِلْعُمُومِ فِيهِ نَظَرٌ وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا الْتَزَمَ وَمَا جَعَلَهُ تَقْرِيرًا لِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ أَنَّ صِيَغَ الْعُمُومِ إنَّمَا تَعُمُّ فِيمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَا حَاجَةَ لَهُ فِيهِ عَلَى مَرَامِهِ بِوَجْهٍ.

قَالَ: (إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ الْقَائِلُ: إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ حُرٌّ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي زَمَنِ الزَّوَالِ خَاصَّةً وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلْعُمُومِ) قُلْتُ: بَلْ لَا مُوجِبَ لِلْقَوْلِ بِالْعُمُومِ.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا قُلْتَ: آتِيك إذَا جَاءَ زَيْدٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ زَمَانِ مَجِيءِ زَيْدٍ وَكَذَلِكَ عِنْدَك مَالٌ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ حَوْزَتِك) قُلْتُ: قَوْلُهُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْعُمُومِ دَعْوَى بِغَيْرِ حُجَّةٍ.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: ٩٦] عَامٌّ فِي جَمِيعِ بِقَاعِنَا الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَمْوَالِنَا) قُلْتُ: الْعُمُومُ فِي الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ مَا.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ وَرَاءَك وَأَمَامَك إلَى قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْجِهَاتِ السِّتِّ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ مُسَمَّيَاتِهَا) قُلْتُ: كُلُّ مَا قَالَهُ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ وَجَمِيعُ مَا ادَّعَاهُ عُمُومًا إنَّمَا هُوَ عُمُومُ الْحَقِيقَةِ لَا عُمُومُ الِاسْتِغْرَاقِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْخَارِجِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ انْتِفَاءِ الْجَزَاءِ فِي الْخَارِجِ وَهِيَ انْتِفَاءُ مَضْمُونُ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى أَنَّ عِلَّةَ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الْجَزَاءِ مَا هِيَ فَمَعْنَى لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَهَدَاكُمْ أَنَّ انْتِفَاءَ الْهِدَايَةِ إنَّمَا هُوَ سَبَبُ انْتِفَاءِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْمَشِيئَةِ عِلَّةٌ فِي انْتِفَاءِ الْهِدَايَةِ فِي الْخَارِجِ وَهَذَا هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْغَالِبُ فَلِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ لَوْ حَرْفٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ أَيْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ كَانَ يَقَعُ فِيمَا مَضَى لَوْ وَقَعَ الشَّرْطُ وَقَالَ غَيْرُهُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُعْرِبُونَ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعِ أَيْ امْتِنَاعُ الْجَوَابِ لِامْتِنَاعِ الشَّرْطِ فَافْهَمْ.

وَالثَّانِي كَوْنُهَا لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ الْجَزَاءُ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى أَنَّ عَلَى الْجَزَاءِ فِي الْخَارِجِ مَا هِيَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] فَإِنَّ الْقَصْدَ بِهِ تَعْلِيمُ الْخَلْقِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ بِأَنْ يَسْتَدِلُّوا بِالتَّصْدِيقِ بِانْتِفَاءِ الْفَسَادِ عَلَى الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ وَلَيْسَ الْقَصْدُ بِهِ بَيَانَ أَنَّ عِلَّةَ انْتِفَاءِ الْفَسَادِ فِي الْخَارِجِ انْتِفَاءُ التَّعَدُّدِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا نَظَرًا لِلْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُ نَظَرًا لِمَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ إلَّا ظَهَرَ الْقَصْدُ الْأَوَّلُ أَيْ الِاسْتِعْمَالُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ بِانْتِفَاءِ الْفَسَادِ.

وَالثَّالِثُ كَوْنُهَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِمْرَارِ شَيْءٍ بِرَبْطِهِ إمَّا بِأَبْعَدَ النَّقِيضَيْنِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ قَوْلِ عُمَرَ عَلَى مَا قِيلَ «نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ» فَالْخَوْفُ وَعَدَمُهُ نَقِيضَانِ وَعَدَمُهُ أَبْعَدُ لِعَدَمِ الْعِصْيَانِ مِنْهُ فَعَلَّقَ عَدَمَ الْعِصْيَانِ عَلَى الْأَبْعَدِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَدَمَ الْعِصْيَانِ مِنْ صُهَيْبٍ مُسْتَمِرٌّ وَأَنَّ الْعِصْيَانَ لَا يَقَعُ مِنْهُ أَصْلًا وَأَمَّا بِالْمُسَاوِي كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «دُرَّةَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْ هِنْدٍ لَمَّا بَلَغَهُ تَحَدُّثُ النِّسَاءِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَهَا أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إنَّهَا لِابْنَةِ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ حَيْثُ رَتَّبَ عَدَمَ حِلِّهَا عَلَى عَدَمِ كَوْنِهَا رَبِيبَةً الْمُبَيَّنُ بِكَوْنِهَا ابْنَةَ أَخِي الرَّضَاعِ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهُ شَرْعًا فَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا فِي قَصْدِ الْمُرَتَّبِ عَلَى كَوْنِهَا رَبِيبَةً الْمُفَادُ بِلَوْ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهُ شَرْعًا كَمُنَاسَبَتِهِ لِلْأَوَّلِ سَوَاءٌ لِمُسَاوَاةِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ لِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي أَصْلًا لِأَنَّ بِهَا وَصْفَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُرِّمَتْ لَهُ كَوْنَهَا رَبِيبَةً وَكَوْنَهَا ابْنَةَ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ وَأَمَّا بِالْأَقْرَبِ كَقَوْلِك فِيمَنْ عَرَضَ عَلَيْك نِكَاحَهَا لَوْ انْتَفَتْ أُخُوَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>