للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها ما يمر في خاطره، وما يختلج في نفسه، من أفكار ومعان علمية وأدبية وقانونية وعاطفية، دون الحاجة إلى المفردات العامية وأساليبها، ولرأى أن اللغة العربية الفصحى هي اللغة المشتركة الجامعة التي تتفاهم بها جميع الشعوب العربية مهما اختلفت لهجاتها الإقليمية المحلية، ولو أن الشعوب العربية قد أخذت بنصيحته التي هم في غنى عنها لكانوا اليوم أشتاتاً، ليس لهم لغة جامعة، ولعاش كل قسم منهم في عزلة تامة عن أخيه، ولأدى الأمر بين الشعوب الإسلامية العربية إلى قريب مما وصلت إليه الشعوب الإسلامية ذات اللغات المختلفة.

وأدرك الدكتور "ولهلْم سبيتا" أن اعتراضات مهمة ستتوجه على مشروعه الخطير، فحاول أن يقدم المبررات التخديرية التي ظن أنه قد يرضي بها الشعور الإسلامية عند المسلمين فقال:

"فلماذا لا يمكن تغيير هذه الحالة المؤسفة إلى ما هو أحسن؟ ببساطة لأن هناك خوفاً من تهمة التعدي على حرمة الدين إذا تركنا لغة القرآن تركاً كلياً".

وقد أجاب على ذلك فقال:

"ولكن لغة القرآن لا يكتب بها الآن في أي قطر، فأينما وجدت لغة عربية مكتوبة فهي اللغة العربية الوسطى، أي: لغة الدواوين، وحتى ما يدعى بالوحدة بين الشعوب الإسلامية لا يمكن أن يقلقها تبني لغة الحديث العامية، إذ أن لغة الصلاة والطقوس الدينية الأخرى ستظل كما هي في كل مكان".

من الظاهر أنه بهذا الكلام قد حاول تخدير العواطف الإسلامية، وذر الرماد في العيون، وذلك لأن الحقيقة التي يعلمها هو بخلاف ذلك، فلو أن العامية قد انتشرت انتشاراً واسعاً، وأبعدت لغة القرآن عن الاستعمال، لأمست لغة القرآن بعد قرون لغة مجهولة تماماً داخل الشعوب العربية، وتتبعها في ذلك الشعوب الإسلامية قاطبة، ولغدت العربية الفصحى شبيهة باللغات اللاتينية أو اليونانية القديمة أو السريانية

<<  <   >  >>