للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقوله: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) [آل عمران: ٦٧] وبذلك تكون الأمة الوحيدة الآن المنتسبة بحق إلى إبراهيم عليه السّلام هي أمة الإسلام، قال تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨) [آل عمران: ٦٨] .

٢- طهارة ونقاء قلبه صلى الله عليه وسلم وأنه ليس فيه أدنى أدنى حقد ولا حسد ولا غل، لإخوانه من الأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام، ودليله أنه كان صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرهم، ويعدد محاسنهم وماثرهم ليحبب الناس فيهم، بل ويمدحهم بما يظن السامع أنهم جميعا أفضل منه مكانة وأشد قربا إلى الله، فهو صلى الله عليه وسلم يقول عن يوسف: إنه أكرم الناس كما في حديث الباب، من حيث شرف النسب، وسيأتي- إن شاء الله- فائدة مستقلة لبعض نماذج الثناء على الأنبياء، فلم يكن صلى الله عليه وسلم ينظر إلى الأنبياء على أنهم منافسون له عند ربه أو عند الناس، بل المتتبع لسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم يتأكد أنه كان يريد أن يجعل الناس يتعبدون إلى الله- سبحانه وتعالى- بحب الأنبياء وتعظيم شأنهم، وكان ينظر إلى الأنبياء جميعا بما فيهم هو صلى الله عليه وسلم بالعقد الواحد والبناء الجميل الذي لا يكمل جماله إلا باكتمال جميع لبناته، واللبنة لا يمكن أن تقوم بمفردها، بل هي في أشد الحاجة إلى غيرها ليشد عقدها ويقوي دعامتها. وهذا من أعظم دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم وأكبر دليل على أن الله- سبحانه وتعالى- قد نزع من قلبه حظ الشيطان، وأن قلبه قد غسل قبل وبعد البعثة، ليكون قلبا طاهرا زكيا، مبرآ من كل ما يعيب المرء من الأدناس والأنجاس بل فيما هو أقل من ذلك بكثير، فإذا كنا نثني على من طهّر قلبه من الحسد والغل، فماذا نقول عمن حرص كل الحرص أن يحبب الناس في غيره ويظهرهم أنهم أفضل منه، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم الأفضل منهم منزلة، وهذا الإيضاح وتلك الفائدة هما المقصود الأول من إيراد هذا الباب.

٣- ارتباط علمه صلى الله عليه وسلم بايات الذكر الحكيم حيث إنه لما سئل عن أكرم الناس ذكر صلى الله عليه وسلم أن أكرم الناس هو أتقاهم، مصداقا لقوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: من الآية ١٣] ، كما أنه صلى الله عليه وسلم لما ذكر أكرم الناس من حيث المعدن اشترط تحصيل الفقه، وهو العلم في الدين، حتى يكون العبد من أكرم الناس منزلة، قال صلى الله عليه وسلم «خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» «١» ، يصدقه قوله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة: من الآية ١١] .


(١) مسلم، كتاب الفضائل، باب: من فضائل يوسف عليه السلام، برقم (٢٣٧٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>