للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلبه بمحبته، والله تعالى قد اتخذ إبراهيم خليلا، والخلة منصب يقتضى توحيد المحبوب بالمحبة، وألايشارك فيها، فلما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد جاءت غيرة الخلة تنزعها من قلب الخليل، فأمر بذبح المحبوب، فلما قدم على ذبحه، كانت محبة الله أعظم عنده من محبة الولد خلصت الخلة حينئذ من شوائب المشاركة، فلم يبق فى الذبح مصلحة، إذ كانت المصلحة إنما هى فى العزم وتوطين النفس، وقد حصل المقصود فنسخ الأمر وفدى الذبيح، وصدق الخليل الرؤيا» . انتهى.

وقد أنشد بعضهم فقال:

إن الذبيح- هديت- إسماعيل ... نطق الكتاب بذاك والتنزيل

شرف به خص الإله نبينا ... وأبانه التفسير والتأويل

وروى مما ذكره المعافى بن زكريا، أن عمر بن عبد العزيز سأل رجلا أسلم من علماء اليهود: أى ابنى إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين، إن اليهود ليعلمون أنه إسماعيل، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب أن يكون أباكم، للفضل الذى ذكره الله عنه، فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق لأن إسحاق أبوهم. انتهى.

فانظر أيها الخليل ما فى هذه القصة من السر الجليل، وهو أن الله تعالى يرى عباده الجبر بعد الكسر، واللطف بعد الشدة، فإنه كان عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد والوحدة والغربة والتسليم لذبح الولد، آلت إلى ما آلت إليه من جعل آثارهما ومواطىء أقدامهما مناسك لعباده المؤمنين، ومتعبدات لهم إلى يوم الدين، وهذه سنة الله تعالى فيمن يريد رفعته من خلقه بعد استضعافه وذله وانكساره وصبره، وتلقيه القضاء بالرضا فضلا منه، قال الله تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ «١» ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ «٢» .


(١) سورة القصص: ٥، ٦.
(٢) سورة الجمعة: ٤.