للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأكلا الطعام، فماتا، فمر بهم عيسى عليه الصلاة والسلام وهم مصروعون حولها فقال: هكذا الدنيا تفعل بأهلها.

وقال الهيثم بن عدي: وجد غار في جبل لبنان زمن الوليد بن عبد الملك وفيه رجل مسجى على سرير من الذهب وعند رأسه لوح من الذهب أيضا مكتوب فيه بالرومية: أنا سبأ بن نواس خدمت عيصو بن اسحاق بن إبراهيم خليل الرب الأكبر، وعشت بعده دهرا طويلا ورأيت عجبا كثيرا ولم أر فيما رأيت أعجب من غافل عن الموت، وهو يرى مصارع آبائه ويقف على قبور أحبابه، ويعلم أنه صائر اليهم، ثم لا يتوب، وقد علمت أن الأجلاف الجفاة يستنزلونني عن سريري ويتولونه وذلك حين يتغير الزمان ويكثر الهذيان ويترأس الصبيان، فمن أدرك هذا الزمان عاش قليلا ومات ذليلا.

وعن عمرو بن ميمون أنه قال: افتتحنا مدينة بفارس فدللنا على مغارة فيها بيت فيه سرير من الذهب عليه رجل عند رأسه لوح مكتوب فيه: أنا بهرام ملك فارس، كنت أغناههم بطشا، وأقساهم قلبا، وأطولهم أملا، وأحرصه على الدنيا، قد ملكت البلاد، وقتلت الملوك، وهزمت الجيوش وأذللت الجبابرة وجمعت من الأموال ما لم يجمعه أحد قبلي، ولم أستطع أن أفتدي به من الموت إذ نزل بي.

ويروى في الإسرائيليات أن عيسى عليه الصلاة والسلام بينا هو في سياحته إذ مرّ بجمجمة نخرة، فسأل الله أن تتكلم فأنطقها الله له فقالت: يا نبي الله: أنا بلوان بن حفص ملك اليمن عشت ألف سنة ورزقت ألف ولد وافتضضت ألف بكر وهزمت ألف جيش وفتحت ألف مدينة، فما كان كل ذلك إلا كحلم النائم، فمن سمع قصتي فلا يغتر بالدنيا. فبكى عيسى عليه الصلاة والسلام بكاء شديدا حتى غشي عليه.

ووجد مكتوب على قصر قد خرّبت أركانه وبادت أهله وأظلمت نواحيه هذه الأبيات:

هذي منازل أقوام عهدتهم ... يوفون بالعهد مذ كانوا وبالذمم

تبكي عليهم ديار كان يطربها ... ترنّم المجد بين الجود والكرم

وقيل في المعنى:

بالله ربّك كم قصر مررت به ... قد كان أعمر باللّذّات والطرب

نادى غراب المنايا في جوانبه ... وصاح من بعده بالويل والحرب

وفيه:

أيها الرّافع البناء رويدا ... لا يردّ المنون عنك البناء

وحكي أن رجلين تنازعا في أرض فأنطق الله تعالى لبنة من جدار تلك الأرض فقالت: إني كنت ملكا من الملوك ملكت الدنيا ألف سنة، ثم صرت رميما ألف سنة، ثم أخذني خزاف وعملني إناء، فاستعملت ألف سنة حتى تكسرت وصرت ترابا، فأخذني طوّاب وعملني لبنا وأنا في هذا الجدار كذا وكذا سنة، فلم تتنازعان في هذه الأرض وأنتم عنها زائلون وإلى غيرها منقلبون والله سبحانه وتعالى أعلم.

وروي أن ملكا بنى قصرا وقال: انظروا إن كان فيه عيب فأصلحوه، فقال رجل: أرى فيه عيبين. فقالوا له: وما هما؟ قال: يموت الملك ويخرب القصر. قال: صدقت ثم أقبل على الله وترك القصر والدنيا.

وقيل: سئل الخضر عليه السلام عن أعجب شيء رآه في الدنيا مع طول سياحته وقطعه للقفار والفلوات، فقال:

أعجب شيء رأيته أني مررت بمدينة لم أر على وجه الأرض أحسن منها، فسألت بعض أهلها متى بنيت هذه المدينة فقالوا سبحان الله لم يذكر آباؤنا ولا أجدادنا متى بنيت، وما زالت كذلك من عهد الطوفان ثم غبت عنها خمسمائة سنة ومررت بها فإذا هي خاوية على عروشها ولم أر أحدا أسأله وإذا رعاة غنم فدنوت منهم فقلت: أين المدينة التي ههنا؟ فقالوا: سبحان الله لم يذكر آباؤنا ولا أجدادنا أنه كان ههنا مدينة، ثم غبت خمسمائة سنة ومررت بها وإذا موضع تلك المدينة بحر وإذا غواصون يخرجون منه شبه الحلية، فقلت للغواصين منذ كم هذا البحر ههنا؟ فقالوا: سبحان الله لم يذكر آباؤنا ولا أجدادنا إلا أن هذا البحر من عهد الطوفان، فغبت خمسمائة سنة وجئت فإذا البحر قد غاض ماؤه وإذا مكانه غيضة وصيادون يصيدون فيها السمك في زوارق صغار فقلت لبعضهم، أين البحر الذي كان ههنا؟ فقالوا: سبحان الله لم يذكر آباؤنا ولا أجدادنا أنه كان ههنا بحر.

فغبت خمسمائة عام ثم جئت إلى ذلك، فإذا هو مدينة على الحالة الأولى، والحصون والقصور والأسواق قائمة، فقلت لبعضهم: أين الغيضة التي كانت ههنا، ومتى بنيت

<<  <   >  >>