للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في القناعة، وصححه الحاكم.

والروع -بضم الراء- أي نفسي، وروح القدس: جبريل عليه السلام.


مولاهم، أبو بكر البغدادي الحافظ صاحب التصانيف المشهورة المفيدة، وثقه أبو حاتم وغيره، مات سنة إحدى وثمانين ومائتين. "في" كتاب "القناعة" والحاكم من حديث ابن مسعود "وصححه الحاكم" من طرق، ورواه ابن ماجه عن جابر ومر لفظه، والطبراني وأبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة الباهلي بنحوه.
قال الطيبي: والاستبطاء بمعنى الإبطاء، والسين للمبالغة، وفيه: أن الرزق مقدر مقسوم لا بد من وصوله إلى العبد لكنه إذا سعى وطلب على وجه مشروع فهو حلال وإلا فحرام، فقوله: ما عنده، إشارة إلى أن الرزق كله من عنده الحلال والحرام، وقوله: أن يطلبه بمعصية الله، إشارة إلى أن ما عنده إذا طلب بها سمي حرامًا، وقوله: إلا بطاعته، إشارة إلى أن ما عنده إذا طلب بطاعته مدح وسمي حلالا، وفيه دليل ظاهر لأهل السنة أن الحرام يسمى رزقًا والكل من عند الله خلافًا للمعتزلة، انتهى. وفيه: أن الطلب لا ينافي التوكل.
وأما حديث ابن ماجه والترمذي والحاكم وصححاه عن عمر رفعه: "لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا" فقال الإمام أحمد: فيه ما يدل على الطلب لا القعود، أراد: لو توكلوا على الله في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم وعلموا أن الخير بيده ومن عنده لم ينصرفوا إلا سالمين غانمين كالطير، لكنهم يعتمدون على قوتهم وكسبهم، وهذا خلاف التوكل. وفي الإحياء أن أحمد قال في القائل: أجلس لا أعمل شيئًا حتى يأتيني رزقي: هذا رجل جهل العلم، أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله عل رزقي تحت ظل رمحي"، وقوله: "تغدو خماصًا وتروح بطانًا"، وكان الصحابة يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم، وبهم القدوة.
"والروع بضم الراء" لا بفتحها؛ لأن معناه الفزع ولا دخل له هنا، ورعى لفظ الحديث، فقال: "أي نفسي" وإلا فالظاهر، والروع النفس فهو مجاز شبه إلقاء جبريل بالنفث الذي هو دون التفل بالفوقية لعدم ظهروه، ولا ينافيه قول المصباح: نفث الله الشيء في القلب: ألقاه؛ لأنه بيان للمعنى المجازي إذا أسند لله لاستحالة الحقيقة عليه، وهذا يقتضي أن المراد به غير القلب، قال شيخنا: والظاهر أن المراد بهما واحد، وهو محل الإدراك وقد يشعر به لفظ الحديث.
"وروح القدس جبريل عليه السلام" سمي به لأنه يأتي بما فيه حياة القلوب، فإنه المتولى لإنزال الكتب الإلهية التي بها تحيا الأرواح الربانية والقلوب الجسمانية كالمبدأ لحياة القلب؛ كما أن الروح مبدأ لحياة الجسد، وأضيف إلى القدس لأنه مجبول على الطهارة والنزاهة من

<<  <  ج: ص:  >  >>