للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعنى بالنصّ على التقييد بالتعمّد. وأبو ريَّة ينكر هذا القيد ويبالغ، ويتلمَّس التُّهَم لمن هم ــ عند من يعرفهم حقّ المعرفة ــ أبعد الناس من أن يتعمَّدوا.

[ص ١١] اختلف الناسُ في تحرير معنى الكذب، والذي صار إليه الأكثر: أنه الإخبار بما يخالف الواقع. وذهب جماعة منهم الجاحظ إلى أنه لا يكون كذبًا حتى يخالف الواقع ويخالف ما في نفس المُخْبِر. وأبو ريَّة يقدِّس الجاحظ ولكنه رأى أنّ قوله هنا لا يتمشّى مع هواه! هذا مع أنه ذكر ص ٥٠ أنها (١) خطَّأت عمرَ وابنَه في حديث، وقالت للذين أخبروها عنهما: "إنكم لتحدّثون عن غير كاذبين ولكن السمع يخطئ".

وأنها خطّأت ابنَ عمر في حديث، وقالت: "إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ". وذكر خطأ جماعة من الصحابة.

عَقَد ص ٢٠ فما بعدها بابًا لبيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان معصومًا في أمور الدين، فأما أمور الدنيا (٢) فقد يخطئ كما يخطئ غيرُه، ويريد أبو ريَّة وبعضُ شيوخه أن يجعل هذا أصلًا يُسقط به كلَّ ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأمور الكونية والطبيعية، كما صرَّح بذلك في قضية الذباب بحاشية ص ٢٠١، ولازم هذا حتمًا أنه يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكذب، وأن عمر وابن عمر وغيرهما من الصحابة كانوا يكذبون، وكانوا يرمي بعضهم بعضًا بالكذب. وأدهى من هذا وأمرّ قوله بحاشية ص ٣٩: (ولعنة الله على الكاذبين متعمدين وغير متعمدين، ومن يروّج لهم من الشيوخ الحشويين).


(١) أي عائشة رضي الله عنها.
(٢) الأصل: "الدين" سبق قلم.