للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْ لَا سَبِيلَ إلَى تَوْرِيثِهِ مِنْ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ مَا خَلَّفَهُ فَيْءٌ سَوَاءٌ اكْتَسَبَهُ فِي الْإِسْلَامِ أَمْ الرِّدَّةِ فِي الصِّحَّةِ أَمْ الْمَرَضِ، وَلَا مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ وَذَاكَ يُقَرُّ، وَلَا مِنْ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاصَرَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ لِإِهْدَارِهِ. (وَلَا يُورَثُ) بِحَالٍ، نَعَمْ سَيَأْتِي فِي الْجِرَاحِ أَنَّ وَارِثَهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ يَسْتَوْفِي قَوَدَ طَرَفِهِ.

(وَيَرِثُ الْكَافِرُ الْكَافِرَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا) كَيَهُودِيٍّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمِلَلِ فِي الْبُطْلَانِ كَالْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ. قَالَ تَعَالَى {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: ٣٢] وَشَمِلَ كَلَامُهُ تَوَارُثَ الْحَرْبِيَّيْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دَارُهُمَا خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحٍ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ سَهْوٌ وَغَيْرُهُمَا حَيْثُ كَانَا مَعْصُومَيْنِ، وَتَصْوِيرُ إرْثِ الْيَهُودِيِّ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ، مَعَ أَنَّ الْمُنْتَقِلَ مِنْ مِلَّةٍ إلَى مِلَّةٍ لَا يُقَرُّ ظَاهِرٌ فِي الْوَلَاءِ وَالنِّكَاحِ، وَكَذَا النَّسَبُ فِيمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يَهُودِيٌّ وَالْآخَرُ نَصْرَانِيٌّ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَكَذَا أَوْلَادُهُمْ فَلِبَعْضِهِمْ اخْتِيَارُ الْيَهُودِيَّةِ وَلِبَعْضِهِمْ اخْتِيَارُ النَّصْرَانِيَّةِ (لَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ) أَوْ مُعَاهَدٍ أَوْ مُؤَمَّنٍ؛ لِانْتِفَاءِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا، وَيَتَوَارَثُ ذِمِّيٌّ وَمُعَاهَدٌ وَمُؤَمَّنٌ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الذِّمِّيِّ بِدَارِنَا أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْجِرَاحِ فِي بَابِ تَغَيُّرِ الْحَالِ أَنَّ مَنْ بِدَارِ الْحَرْبِ يَرِثُ مَنْ بِدَارِنَا، وَمَا اقْتَضَاهُ تَقْيِيدُ الصَّيْمَرِيِّ مَرْدُودٌ بِإِطْلَاقِهِمْ. وَالثَّانِي يَتَوَارَثَانِ؛ لِشُمُولِ الْكُفْرِ لَهُمَا.

(وَلَا يَرِثُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ) مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ إذْ لَوْ وَرِثَ مَلَكَهُ السَّيِّدُ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُولُوا بِإِرْثِهِ ثُمَّ يَتَلَقَّى سَيِّدُهُ لَهُ بِالْمِلْكِ كَمَا قَالُوهُ فِي قَبُولِ قِنِّهِ، وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا لِنَحْوِ وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عُقُودٌ اخْتِيَارِيَّةٌ تَصِحُّ لِلسَّيِّدِ فَإِيقَاعُهَا لِقِنِّهِ إيقَاعٌ لَهُ، وَلَا كَذَلِكَ الْإِرْثُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحُرَّ يَرِثُ، وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُهُ (مُسْتَغْرَقَةً أَبَدًا بِوَصِيَّةٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَالْجَدِيدُ أَنَّ) (مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) إذَا مَاتَ عَنْ مَالٍ مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ (يُورَثُ عَنْهُ) ذَلِكَ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ تَامُّ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ، وَأَفْهَمَ هَذَا مَا بِأَصْلِهِ أَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُورَثُ: أَيْ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ كَافِرٌ لَهُ أَمَانٌ جَنَى عَلَيْهِ ثُمَّ نَقَضَ الْأَمَانَ فَسُبِيَ وَاسْتُرِقَّ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ قِنًّا فَالدِّيَةُ لِوَارِثِهِ، وَيُمْكِنُ رَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا بِالنَّظَرِ لِكَوْنِهِمْ حَالَةَ الْمَوْتِ أَحْرَارًا وَهُوَ قِنٌّ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوهَا نَظَرًا لِلْحُرِّيَّةِ السَّابِقَةِ لِاسْتِقْرَارِهَا بِمَا قَبْلَ الرِّقِّ.

(وَلَا) يَرِثُ (قَاتِلٌ) مِنْ مَقْتُولِهِ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ كَأَنْ قَتَلَهُ بِحَقٍّ لِنَحْوِ قَوَدٍ أَوْ دَفْعِ صَائِلٍ سَوَاءٌ أَكَانَ بِسَبَبٍ أَمْ شَرْطٍ أَمْ مُبَاشَرَةٍ، وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ حَاكِمًا أَوْ شَاهِدًا أَوْ مُزَكِّيًا إذْ لَوْ وَرِثَ لَاسْتَعْجَلَ الْوَرَثَةُ قَتْلَ مُوَرِّثِهِمْ فَيُؤَدِّي إلَى خَرَابِ الْعَالِمِ فَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ مَنْعَ إرْثِهِ مُطْلَقًا نَظَرًا لِمَظِنَّةِ الِاسْتِعْجَالِ: أَيْ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ مَاتَ بِأَجَلِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ. نَعَمْ يَرِثُ الْمُفْتِي وَلَوْ فِي مُعَيَّنٍ وَرَاوِي خَبَرِ مَوْضُوعٍ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِمَا بِوَجْهٍ إذْ قَدْ لَا يُعْمَلُ بِهِ بِخِلَافِ الْحَاكِمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ (وَقِيلَ إنْ لَمْ يَضْمَنْ وَرِثَ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِحَقٍّ، وَيَرُدُّهُ أَنَّ الْمَعْنَى إذَا لَمْ يَنْضَبِطْ أُنِيطَ الْحُكْمُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ وَلَوْ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ (قَوْلُهُ: يَسْتَوْفِي قَوَدَ طَرَفِهِ) أَيْ تَشَفِّيًا لَا إرْثًا كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ: لَوْلَا الرِّدَّةُ.

(قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمَا) أَيْ وَتَوَارَثَ غَيْرُهُمَا إلَخْ (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَا) قَيْدٌ فِي غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: أَوْ مُؤْمِنٌ بِبِلَادِنَا) هَذِهِ اللَّفْظَةُ سَاقِطَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَيَدُلُّ لِسُقُوطِهَا قَوْلُهُ: الْآتِي وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ إلَخْ، وَقَدْ تَمْنَعُ دَلَالَةَ مَا يَأْتِي لِجَوَازِ كَوْنِ قَوْلِهِ بِبِلَادِنَا رَاجِعًا لِلْمُعَاهَدِ وَالْمُؤَمَّنِ (قَوْلُهُ: أَنَّ مَنْ بِدَارِ الْحَرْبِ) أَيْ مِنْ الذِّمِّيِّينَ (قَوْلُهُ: تَقْيِيدُ الصَّيْمَرِيِّ) لَعَلَّهُ بِنَحْوِ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ بِبِلَادِنَا

(قَوْلُهُ: وَلَا يَرِثُ قَاتِلٌ) وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَتَلَهُ بِالْحَالِ أَوْ بِعَيْنِهِ فَيَرِثُ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: وَرَاوِي خَبَرٍ مَوْضُوعٍ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دَارُهُمَا) الْمُرَادُ بِالدَّارِ هُنَا غَيْرُ الدَّارِ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ الْمَوَانِعِ اخْتِلَافُ الدَّارِ، إذْ صُورَةُ مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَرْبِيَّيْنِ فِي بَلَدَيْنِ مُتَحَارِبَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ حَجّ

(قَوْلُهُ:: لِكَوْنِهِمْ) يَعْنِي الْوَرَثَةَ وَكَذَا يُقَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>