للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

ذهب الأزدي وغيره.

فإن قلت: روى الإخفاء اثنان من الصحابة أنس وعبد الله بن المغفل، وروى الجهر أربعة عشر صحابيا، فيقدم الجهر بكثرة الرواة.

قلت: الاعتماد على كثرة الرواة إنما يكون بعد صحة الدليلين. فأحاديث الجهر ليس فيها صحيح صريح، بخلاف ما روي في الإخفاء، فإنه حديث ثابت صحيح مخرج في الصحيح والمسانيد المعروفة والسنن المشهورة، مع أن جماعة من الحنفية لا يرون الترجيح بكثرة الرواة.

وأحاديث الجهر وإن كثرت رواتها لكنها كلها ضعيفة، ولم يرو أحاديث الجهر إلا الحاكم وقد عرف تساهله وتصحيحه للأحاديث الضعيفة بل الموضوعة.

وقال ابن دحية في كتابه " المعلم " المشهور: يجب على أهل الحديث أن لا يحفظوا من قول الحاكم أبي عبد الله، فإنه كثير الغلط ظاهر، وقد غفل عن ذلك كثير من مخالفيه، وقلده في ذلك الدارقطني وملأ كتابه من الأحاديث الضعيفة والغريبة والشاذة والمعللة، وكم فيه من حديث لا يوجد في غيره. وحكي أنه لما دخل مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر بالبسملة [فصنف فيه جزءا] فأتاه بعض المالكية فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك، فقال: كل ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجهر فليس بصحيح.

وأما عن الصحابة فمنه صحيح وضعيف. والخطيب فإنه قد جاوز عن حد التحامل والتعصب، واحتج بالأحاديث الموضوعة مع علمه بذلك، وروى الخطيب عن عكرمة أنه قال: لا يصلى خلف من لا يجهر بالبسملة، وعارضته رواية الطحاوي بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قال: ذلك فعل الأعراب.

وسئل الحسن عن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقال: إنما يفعل ذلك الأعراب. وقال أبو عمر عن ابن عباس: الجهر فيها قراءة الأعراب، وأراد جهلتهم.

وعن النخعي: أن الجهر بها بدعة. ونقل السروجي عن ابن الجوزي: والخطيب لا ينبغي أن يقبل جرحه ولا تعديله، لأن قوله ونقله يدل على قلة دين. والعجب من الثوري أيضا كيف ذكر الأحاديث الضعيفة وانتصر لها وصححها، ولم يذكر ما قيل فيها.

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

وقال الأكمل في هذا الموضع: فإن قيل: خبر الإخفاء بالبسملة مما تعم به البلوى، إلى آخر ما ذكره في شرحه، قلت: أخذ جميع ذلك عن السغناقي، ومع هذا فليس ما ذكره توفيقا بين الأحاديث الواردة في الجهر والإخفاء على طريقة أهل هذا الفن، وقد ذكرنا الذي هو الأصل

<<  <  ج: ص:  >  >>