للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخبر أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان لا يجهر بها،

ــ

[البناية]

كما ذكرنا، وعدم احتجاج صاحبي الصحيح لا يستلزم تضعيف هذا الحديث الصحيح، وهما لم يلتزما إحاطة الأحاديث الصحيحة، ومع هذا فالبخاري كثيرا ما يتبع لما يرد على أبي حنيفة من السنة، فيذكر الحديث ثم يعرض بذكره فيقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا وكذا، ثم يقول: وقال بعض الناس كذا، يشير به إليه ويشنع به عليه، ولم يجد حديثا صحيحا في الجهر حتى يذكره في "صحيحه". فهذا أبو داود والترمذي وابن ماجه مع اشتمال كتبهم على الأحاديث السقيمة والأسانيد الضعيفة، لم يخرجوا منها شيئا، ولولا أنها عندهم واهية بالكلية لما تركوها، وقد تفرد النسائي منها بحديث أبي هريرة وهو أقوى ما فيها عندهم، وقد بينا ضعفه من وجوه.

م: (لأن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخبر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يجهر بها) ش: حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البخاري ومسلم، وقد ذكرناه عن قريب.

فإن قلت: روي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن ذلك كان في الجملة، فروى أحمد والدارقطني من حديث سعيد بن زهد بن سلمة قال: «سألت أنسا أكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أو الحمد لله رب العالمين؟ قال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه، أو ما سألني أحد قبلك.» قال الدارقطني: إسناده صحيح.

قلت: ما روي من إنكاره لا يقاوم ما ثبت عنه خلافه في " الصحيح " ويحتمل أن يكون أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نسي في تلك الحالة لكبره، وقد وقع مثل ذلك كثيرا، كما سئل يوما عن مسألة فقال: عليكم بالحسن فاسألوه فإنه حفظ ونسينا، وكم ممن حدث ونسي. ويحتمل أنه إنما سأله عن ذكرها في الصلاة أصلا لا عن الجهر بها وإخفائها.

فإن قلت: يجمع بين الأحاديث بأن يكون أنس لم يسمعه لبعده، لأنه كان صبيا يومئذ.

قلت: هذا مردود لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هاجر إلى المدينة ولأنس يومئذ عشر سنين، ومات - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وله عشرون سنة فكيف يتصور أنه يصلي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يوما من الدهر يجهر؟! هذا بعيد بل يستحيل. ثم قد روي هذا في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكيف وهو رجل في زمان أبي بكر وعمر، وكهل في زمان عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مع تقدمه في زمانهم وروايته للحديث؟!

فإن قلت: أحاديث الإخفاء شهادة على النفي، وأحاديث الجهر شهادة على الإثبات، والإثبات مقدم على النفي.

قلت: هذه الشهادة وإن ظهرت في صورة النفي فمعناها الإثبات، على أن هذا مختلف فيه، فالأكثرون على تقديم الإثبات، وعند البعض سواء، وعند البعض النافي يقدم على المثبت وإليه

<<  <  ج: ص:  >  >>