للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: أَمَّا عَيْبُ الْأَوَّلِ بِهِ فَظَاهِرٌ ; لِكَوْنِهِ لَمْ يُبَيِّنِ اصْطِلَاحَهُ، وَأَكْثَرَ مَعَ ذَلِكَ مِنْهُ، بِحَيْثُ أَنَّ أَكْثَرَ مَا أَوْرَدَهُ فِي كُتُبِهِ بِالْإِجَازَةِ لَا السَّمَاعِ، وَانْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ رُمِيَ بِالِاعْتِزَالِ، وَبِأَنَّهُ كَانَ يَضَعُ الْمِحْبَرَةَ وَقِنِّينَةَ النَّبِيذِ وَلَا يَزَالُ يَكْتُبُ وَيَشْرَبُ.

وَأَمَّا ثَانِيهِمَا فَبَعْدَ بَيَانِ اصْطِلَاحِهِ لَا يَكُونُ مُدَلِّسًا، وَلِذَا قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: سَخَّمَ اللَّهُ وَجْهَ مَنْ يَعِيبُهُ بِهَذَا، بَلْ هُوَ الْإِمَامُ عَالِمُ الدُّنْيَا. وَقَالَ شَيْخُنَا: إِنَّهُمْ وَإِنْ عَابُوهُ بِذَلِكَ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ اصْطِلَاحٌ لَهُ خَالَفَ فِيهِ الْجُمْهُورَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ يَقُولَ فِي السَّمَاعِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ قَرَأَ بِنَفْسِهِ أَوْ سَمِعَ مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ، أَوْ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ عَلَى شَيْخِهِ: ثَنَا، بِلَفْظِ التَّحْدِيثِ فِي الْجَمِيعِ، وَيَخُصُّ الْإِخْبَارَ بِالْإِجَازَةِ، يَعْنِي كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِاصْطِلَاحِهِ ; حَيْثُ قَالَ: إِذَا قُلْتُ: أَنَا، عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَذْكُرَ فِيهِ إِجَازَةً أَوْ كِتَابَةً أَوْ كُتِبَ لِي أَوْ أُذِنَ لِي، فَهُوَ إِجَازَةٌ، أَوْ ثَنَا فَهُوَ سَمَاعٌ، وَيُقَوِّي الْتِزَامَهُ لِذَلِكَ أَنَّهُ أَوْرَدَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَلَى عُلُومِ الْحَدِيثِ لِلْحَاكِمِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ رَوَاهَا عَنِ الْحَاكِمِ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ مُطْلَقًا، وَقَالَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ: الَّذِي رَوَيْتُهُ عَنِ الْحَاكِمِ بِالْإِجَازَةِ، فَإِذَا أَطْلَقَ الْإِخْبَارَ عَلَى اصْطِلَاحِهِ عُرِفَ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِجَازَةَ، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ; لِئَلَا يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ - انْتَهَى.

وَمَعَ كَوْنِهِ بَيَّنَ اصْطِلَاحَهُ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: إِنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَلُهُ نَادِرًا ; لِاسْتِغْنَائِهِ بِكَثْرَةِ الْمَسْمُوعَاتِ الَّتِي عِنْدَهُ، فَقَدْ قَرَأْتُ مُسْتَخْرَجَهُ عَلَى مُسْلِمٍ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ شَيْئًا بِالْإِجَازَةِ، إِلَّا مُوَيْضِعَاتٍ يَسِيرَةً، حَدِيثًا عَنِ الْأَصَمِّ، وَآخَرَ عَنْ خَيْثَمَةَ، وَعَنْ غَيْرِهِمَا، وَكَذَا اعْتَذَرَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِالنُّدُورِ، وَكَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ أَيْضًا مُشْعِرٌ بِهِ ; فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا لَا يَنْقُصُهُ شَيْئًا ; إِذْ هُوَ يَقُولُ فِي مُعْظَمِ تَصَانِيفِهِ: أَخْبَرَنَا فُلَانٌ إِجَازَةً، قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>