للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعِلْمَ أَبَى وَامْتَنَعَ عَلَيْنَا فَلَمْ يَنْكَشِفْ لَنَا حَقِيقَتُهُ، وَإِنَّمَا حَصَلَ لَنَا حَدِيثُهُ وَأَلْفَاظُهُ. وَامْتَنَعَ بَعْضُ الْوَرِعِينَ مِنْ ذَلِكَ، فَرَوَى الْخَطِيبُ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَلَّا تُحَدِّثُنَا تُؤْجَرْ؟ قَالَ: عَلَى أَيِ شَيْءٍ أُؤْجَرُ؟ عَلَى شَيْءٍ تَتَفَكَّهُونَ بِهِ فِي الْمَجَالِسِ.

وَنَحْوُهُ مَا حُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَثَّامٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: النَّاسُ لَا يُؤْتَوْنَ مِنْ حِلْمٍ، يَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَسْأَلُ، فَإِذَا أَخَذَ غَلِطَ، وَيَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَأْخُذُ ثُمَّ يُصَحِّفُ، وَيَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَأْخُذُ لِيُمَارِيَ صَاحِبَهُ، وَيَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَأْخُذُ لِيُبَاهِيَ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أُعَلِّمَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَجُلٌ يَجِيئُنِي فَيَهْتَمُّ لِأَمْرِ دِينِهِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَسَعُنِي أَنْ أَمْنَعَهُ. وَقَدْ أَسْلَفْتُ فِي " مَتَى يَصِحُّ تَحَمُّلُ الْحَدِيثِ " شَيْئًا مِنْ تَوَقُّفِ بَعْضِ الْوَرِعِينَ.

وَلَكِنْ قَدْ فَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي (أَدَبِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ) لَهُ تَفْصِيلًا حَسَنًا، فَقَالَ: إِنْ كَانَ الْبَاعِثُ لِلطَّلَبِ دِينِيًّا وَجَبَ عَلَى الشَّيْخِ إِسْعَافُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ; فَإِنْ كَانَ مُبَاحًا، كَرَجُلٍ دَعَاهُ طَلَبُ الْعِلْمِ إِلَى حُبِّ النَّبَاهَةِ وَطَلَبِ الرِّيَاسَةِ، فَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ يَعْطِفُهُ عَلَى الدِّينِ فِي ثَانِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ الدَّاعِي مَحْظُورًا، كَرَجُلٍ دَعَاهُ طَلَبُ الْعِلْمِ إِلَى شَرٍّ كَامِنٍ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي شُبَهٍ دِينِيَّةٍ، وَحِيَلٍ فِقْهِيَّةٍ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>