للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن كثير: «ورغب أكثر الناس من العراقيين والشاميين بكمالهم إلى المصالحة والمسالمة مدة، لعلهم يتفقون على أمر يكون فيه مصلحةٌ لحقن دماء المسلمين، فإن الناس قد تفانوا في هذه المدة، ولا سيما في هذه الثلاثة الأيام المتأخرة، التي كان آخرها ليلة الجمعة، وهي ليلة الهرير. وقد صبر كل من الجيشين للآخر صبراً لم يُر مثله، لما كان فيهم من الشجعان والأبطال ما ليس يوجد مثلهم في الدنيا، ولهذا لم يفر أحدٌ عن أحدٍ، بل صبروا حتى قُتل من الفريقين -فيما ذكره غير واحد- سبعون ألفاً (١) ; خمسة وأربعون ألفاً من أهل الشام، وخمسة وعشرون ألفاً من أهل العراق (٢).

وكان بينهم في هذه المدة تسعون زحفاً، واختُلف في مدة المقام بصفِّين; فقال سيف: سبعة أشهر، أو تسعة أشهر، وقال أبو الحسن بن البراء: مائة وعشرة أيام.

قلتُ (أي: ابن كثير): ومقتضى كلام أبي مخنف أنه كان من مستهل ذي الحجة في يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر، وذلك ثلاثة وسبعون يوماً. فالله أعلم» (٣).


(١) صحَّ هذا عن ابن سيرين، كما تقدَّم.
(٢) يُشكِّكُ بعض الباحثين في هذه الأعداد المنقولة للقتلى، ويرون فيها مبالغة غير مقبولة، ومن هؤلاء: د. علي الصلابي، حيث يقول في كتابه سيرة أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان (ص: ١٣٢): "ولا شك أن هذه الأرقام غير دقيقه، بل أرقام خيالية، فالقتال الحقيقي والصدام الجماعي استمر ثلاثة أيام، مع وقف القتال بالليل إلا مساء الجمعة، فيكون مجموع القتال حوالي ثلاثين ساعة، ومهما كان القتال عنيفاً، فلن يفوق شدة القادسية التي كان عدد الشهداء فيها ثمانية الآلف وخمسمائة، وبالتالي يصعب عقلاً أن نقبل تلك الروايات التي ذكرت الأرقام الكبيرة".
(٣) البداية والنهاية (١٠/ ٥٤٩ - ٥٥٠).

<<  <   >  >>