للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتأخرين اتفقتْ كلمتُهم على أنَّ روايةَ المذاهبِ مِنْ إمامِهم إذا خالفتْ حديثًا صحيحًا يقولون قاطبةً: إن هذا الحديثَ حجةٌ عليه، وهذا لا يخفى في مواضع كثيرةٍ مِنْ كتبِ المذاهبِ الأربعةِ على مَنْ طالعها" (١).

ولعله يقصدُ العلماءَ المحققين مِن أربابِ المذاهبِ الأربعةِ.

ويظهرُ لي أنَّ أغلبَ مَنْ ذَهَبَ إلى هذا القولِ - ولا سيما ممَّنْ يرى جوازَ التمذهبِ - يرون اتّباعَ الحديثِ إنْ قالَ بمدلولِه إمامٌ مجتهدٌ، وقد أشارَ بعضهم إلى هذا الأمرِ في أدلتِهم، كما ستأتي بعد قليلٍ.

القول الثاني: يأخذُ المتمذهبُ بقولِ إمامِه، ويترك الحديثَ النبوي.

أشارَ ابنُ حزمٍ إلى هذا القولِ، دونَ نسبتِه إلى أحدٍ بعينه - واقتصرَ على وصفِهم بـ: "بعضِ مَنْ قوي جهلُه، وضعف عقلُه، ورقَّ دينُه" (٢).

وظاهرُ قولِ أبي الحسنِ الكرخي: "الأصلُ: أنَّ كلَّ آيةٍ تخالفُ قولَ أصحابِنا، فإنَّها تحملُ على: النسخِ، أو على الترجيحِ، والأَوْلَى أنْ تُحمل على التأويلِ ... الأصل: أن كلَّ خبرٍ يجيء بخلافِ قولِ أصحابِنا، فإنَّه يُحملُ على: النسخِ، أو على أنَّه معارضٌ بمثلِه، ثم صار (٣) إلى دليل آخر، أو ترجيحٍ فيه بما يحتج به أصحابنا من وجوه الترجيح ... " (٤): موافقتُه لأصحابِ هذا القولِ.

وصنيعُ بعضِ المالكيةِ موافقٌ لهذا القولِ (٥).


(١) دراسات اللبيب (ص/ ١٠٣).
(٢) الإحكام في أصول الأحكام (٦/ ١٠٤).
(٣) لعل الصواب: "يصار"؛ إذ هو المناسب للسياق.
(٤) أصول الكرخي (ص/ ٨٤) مطبوعة مع تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي. وانظر في تفسير كلام الكرخي: تعليل الأحكام للدكتور ضد شلبي (ص/ ٣٤٠)، ونظرية التقعيد الفقهي للدكتور محمد الروكي (ص/ ٢١٨ - ٢٢٠).
(٥) انظر: النوازل الجديدة الكبرى للوزاني (١/ ٣١٠ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>