للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المصيبة. لقد بقيت أثناء تلك الفترة الطويلة محجوبة عن بصره بما كان يغطيها من طبقات الصور والرسوم المتكاثفة فوقها وقد ندت عن ذاكرتها فكأنها لم تكن. فلما أخرج اليوم ما كان بالمتحف من الصور المألوفة المرغوبة برزت هذه الصورة هي وكل مصنوعاته القديمة من حجبها ومكامنها. ولما تذكر شارتكوف ما اقترن بتلك الصورة المجهولة من عجيب الأحداث والطوارئ - لما تذكر أن هذه الصورة كانت بشك لم سببا في زلاته وعثراته وأن ما أورثته تلك الصورة من بدرة الذهب المخبوء في إطارها هو الذي استثار في نفسه تلك النزعات المنكرة التي أفسدت ملكته وأودت بعبقريته - لما تذكر كل هذا أوشك أن يجن وكاد عقله أن يذهب. فأمر في الحال بالصورة الملعونة أن تزال من المتحف.

ولكن إزالة الصورة لم يسكن من هياج خاطره ولا هدأ من ثائرة نفسه وكيف ولقد كان جذع الحياة فيه كأنما يزلزل من جذوره وإن ركن الحياة فيه كان يزعزع ن أساسه. وعلى أثر ذلك ألم به إحساس فظيع من الحسد لذوي النبوغ من رسامي عصره كاد أن يكون جنونا فكان كلما بصر بطريفة من بدائع الصور احتدم قليه حسدا لصاحبها فجعل يصرف عليه نابه حنقا وحقدا ويلتهم الصورة بعينيه التهاما وما لبث هذا الحسد والحقد القادح في كبده أن حداه إلى تدبير حيلة جهنمية نم أشنع ما دبر مغيظ محنق ثم أسرع بكل ما للجنون من قوة إلى تنفيذ هذه الحيلة فشرع ينفق مكنوز المال ومدخره في شراء كل ما جادت به ملكة التصوير من نفائس ملح معاصريه من الرسامين. وكلما اشترى صورة من تلك الطرائف هرع بها إلى غرفته ثم انقض عليها بسطوة القسور الغضنفر فمزقها إربا إربا وداس على جذاذها بقدمه وعلى شفتيه ابتسامة الظافر المنتصر.

وكان قد سبق في قضاء الله أنه أراد بالفن وأهله وعشاقه خيرا فقدر أن لا تطول حياة مثل هذا الرجل إذ كانت ثورات نفسه الهائجة أشد ما يطيقه جثمانه الضعيف. فجعلت نوبات الجنون تعتاده من حين لآخر وكثر عليه ترددها وتتابع تكرارها حتى انتهت به إلى أسوء حال من المرض فأخذت حمى عنيفة مصحوبة بسل سريع وبلغ من شدة وطأتها عليه أن لم يبق منه بعد ثلاثة أيام إلا خيال. وبدا عليه مع ذلك أعراض الجنون الميؤوس من شفائه. فكان ربما أصابته النوبة فتعجز الفئة من أقوياء الرجال عن كبح جماحه. وجعل يتراءى له