للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحسد، وأكب أهل النظر منهم على ما ينتقد عليه من أمور المعتقد، فحفظوا عنه في ذلك كلاما أوسعوه بسببه ملاما، وفوقوا لتبديعه سهاما، وزعموا أنه خالف طريقهم، وفرق فريقهم، فنازعهم ونازعوه، وقاطع بعضهم وقاطعوه، ثم نازع طائفة أخرى ينسبون من الفقر إلى طريقه، ويزعمون أنهم على أدق باطن منها وأجلى حقيقة، فكشف تلك الطرائق، وذكر لها على ما زعم بوائق، فآضت إلى الطائفة الأولى من منازعيه، واستعانت بذوي الضغن عليه من مقاطعيه، فوصلوا بالأمراء أمره، وأعمل كل منهم في كفره فكره، فرتبوا محاضر، وألبوا الرويبضة للسعي بها بين الأكابر، وسعوا في نقله إلى حاضرة المملكة بالديار المصرية فنقل، وأودع السجن ساعة حضوره واعتقل، وعقدوا لإراقة دمه مجالس، وحشدوا لذلك قوما من عمار الزوايا وسكان المدارس، من مجامل في المنازعة، مخاتل بالمخادعة، ومن مجاهر بالتكفير مبارز بالمقاطعة، يسومونه ريب المنون، {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} ، وليس المجاهر بكفره بأسوأ حالا من المخاتل، وقد دبت إليه عقارب مكره، فرد الله كيد كل في نحره، ونجاه على يد من اصطفاه {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} . ثم لم يخل بعد ذلك من فتنة بعد فتنة، ولم ينتقل طول عمره من محنة إلا إلى محنة، إلى أن فوض أمره إلى بعض القضاة فتقلد ما تقلد من اعتقاله، ولم يزل بمحبسه ذلك إلى حين ذهابه إلى رحمة الله تعالى وانتقاله {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} ، وهو المطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

<<  <   >  >>