للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويُجلي الغزَّالي مقاصد الضرورات الخمس في "المستصفى" فيقول:

إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة. (١)

ويُعلل ابن الأزرق -رحمه الله- الاهتمام بالضرورات الخمس في "بدائع السلك" فيقول:

لأن مصالح الدين والدنيا مبنية على المحافظة عليها، بحيث لو انحرفت لم يبق للدنيا وجود من حيث الانسان المكلف، ولا للآخرة من حيث ما وعد بها .. فلو عدم الدين عدم ترتب الجزاء المرتجى. ولو عدم الإنسان لعدم من يتدين. ولو عدم العقل لارتفع التدبير. ولو عدم النسل لم يمكن البقاء عادة. ولو عدم المال لم يبق عيش. (٢)

ومن هنا يُتأكد أن التقيّة شُرعت في الإسلام في أضيق الحدود، وبضوابط شرعية، وفي حال الخوف على ضرورة من تلك الضرورات وعلى حفظها فحسب.

لذا فإن التقيّة عند أهل السنة أمر اضطراري عارض بسبب دفع بلاء شديد مِمَّا لا تطيقه النفس البشرية ويَشُقُّ عليها احْتِمَالُهُ، كما أنه لا يترخص بِالتَّقِيَّةِ مَنْ كَانَ لَهُ مخرج لا يرتكب فيه محرمًا، كل ذلك مصحوبًا بسلامة الباطن وعمارته بالإيمان.

فـ" مَذْهَبُ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْل السُّنَّةِ أَنَّ الأْصْل فِي التَّقِيَّةِ هُوَ الْحَظْرُ، وَجَوَازُهَا ضَرُورَةٌ، فَتُبَاحُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَالتَّقِيَّةُ لَا تَحِل إِلاَّ مَعَ خَوْفِ الْقَتْل أَوِ الْقَطْعِ أَوِ الإْيذَاءِ الْعَظِيمِ، وَلَمْ يُنْقَل مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فِيمَا نَعْلَمُ إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمُجَاهِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ. (٣)

وفي نحو ذلك يقول ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ) - رحمه الله: -

التقيّة أن يقول العبد خلاف ما يعتقده لاتقاء مكروه يقع به لو لم يتكلم التقيّة. (٤).

والأصل في ذلك عند أهل السنة قوله سبحانه: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن من شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل: ١٠٦).


(١) -المستصفى، الغزَّالي،، ص: ١٧٤. المستصفى المؤلف: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: ٥٠٥ هـ) تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى، ١٤١٣ هـ.
(٢) - بدائع السلك في طبائع الملك، ابن الأزرق: (١/ ١٩٤ - ١٩٥).
(٣) -الموسوعة الفقهية (١٣/ ١٨٦ - ١٨٧).
(٤) - أحكام أهل الذمة (٢/ ١٠٣٨).

<<  <   >  >>