للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وَلِهَذَا لم يقل الْمُؤلف على عدوه بل أطلقهُ، وَيُقَاس على قَوْلهم إِن الْفسق لَا يتَجَزَّأ النَّاظر إِذا كَانَ عَلَيْهِ أنظار وقف عديدة وَثَبت فسقه بِسَبَب خيانته فِي وَاحِد مِنْهَا، فَهَل يسري فسقه فِي كلهَا فيعزل؟ أجَاب سَيِّدي الْوَالِد بالسريان وَأَنه يعْزل مِنْهَا جَمِيعًا، وَبِه أفتى أَبُو السُّعُود، وَكتب الرَّمْلِيّ هُنَا: الظَّاهِر من كَلَامهم أَن عدم الْقبُول إِنَّمَا هُوَ للتُّهمَةِ لَا للفسق، وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي عَن ابْن الْكَمَال، وَمَا صرح بِهِ يَعْقُوب باشا وَكثير من عُلَمَائِنَا صَرَّحُوا بِأَن شَهَادَة الْعَدو على عدوه لَا تقبل، فالتقييد بِكَوْنِهَا على عدوه يَنْفِي مَا عداهُ وَهُوَ الْمُتَبَادر للافهام، فَتَأَمّله اه.

أَقُول: أَنْت خَبِير بِأَن فعل الْكَبِيرَة والاصرار على الصَّغِيرَة قَادِح فِي الْعَدَالَة، وَقد شَرط فِي الْقنية لعدم الْقبُول كَونه فسق بِتِلْكَ الْعَدَاوَة.

وعَلى هَذَا فَعدم قبُولهَا مُطلقًا ظَاهر، وَيَنْبَغِي تَقْيِيده بِمَا إِذا كَانَت عَدَاوَة ظَاهِرَة كَمَا يفِيدهُ مَا يَأْتِي عَن الْفَتْح فِي شرح قَوْله أَو يرتكب مَا يوجبد الْحَد.

فَتحَرَّر أَن الْوَجْه عدم الْقبُول مُطلقًا، وَالتَّعْلِيل بالاتهام كَمَا مر عَن كنز الرؤوس لَا يُنَافِيهِ، لَان الْفَاسِق لَا يقبل للاتهام أَيْضا، وَمَا يَأْتِي عَن ابْن الْكَمَال يُمكن حمله على مَا إِذا لم يفسق بهَا فَلْيتَأَمَّل اه.

قَالَه سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.

الثَّانِي: لَو ادّعى شخص عَدَاوَة آخر يكون مُجَرّد دَعْوَاهُ اعترافا مِنْهُ بفسق نَفسه، وَلَا يكون ذَلِك قادحا فِي عَدَالَة الْمُدَّعِي أَنه عَدو مَا لم يثبت الْمُدَّعِي أَنه عَدو لَهُ.

الثَّالِث: لَو قضى القَاضِي بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه أَو على غير عدوه هَل يَصح أَو لَا؟ قُلْنَا: إِن الْمَانِع من قبُول الشَّهَادَة هُوَ الْفسق فَيكون حِينَئِذٍ صَحِيحا نافدا، لَان القَاضِي إِذا قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق نفذ قَضَاؤُهُ وَيصِح، وَإِن قُلْنَا: إِنَّه لِمَعْنى آخر أقوى من الْفسق لَا يَصح فِي حق الْعَدو وَيصِح فِي حق غَيره.

وَذكر ابْن الْكَمَال فِي إصْلَاح الايضاح أَن شَهَادَة الْعَدو لعَدوه جَائِزَة عكسر شَهَادَة الاصل لفرعه

اه.

وَهَذَا يدل على أَنَّهَا لم تقبل للتُّهمَةِ لَا للفسق اه.

قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: قَوْله لَان القَاضِي إِذا قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق نفذ قَضَاؤُهُ وَيصِح.

قَالَ الرَّمْلِيّ: وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه.

وَأَقُول: وَقِيَاسه يَقْتَضِي أَن العصبية كَذَلِك، فَلَا ينفذ ضاء القَاضِي بِشَهَادَتِهِ لانه الَّذِي يبغض الرجل لكَونه من بني فلَان أَو من قبيله كَذَا كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا مَنْقُولًا عَن معِين الْحُكَّام، فَتَأمل اه.

الرَّابِع: قد يتَوَهَّم بعض المتفقهة وَالشُّهُود أَن كل من خَاصم شخصا فِي حق وَادّعى عَلَيْهِ حَقًا أَنه يصير عدوه فَيشْهد بَينهمَا بالعداوة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْعَدَاوَة إِنَّمَا تثبت بِنَحْوِ مَا ذكرت.

نعم لَو خَاصم الشَّخْص آخر فِي حق لَا تقبل شَهَادَته عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْحق، كَالْوَكِيلِ لَا تقبل شَهَادَته فِيمَا هُوَ وَكيل فِيهِ وَنَحْو ذَلِك، لانه إِذا تخاصم اثْنَان فِي حق لَا تقبل شَهَادَة أَحدهمَا على الآخر لما بَينهمَا من الْمُخَاصمَة اه.

قلت: وَيدل لَهُ مَا فِي فَتَاوَى قاضيخان من بَاب مَا يبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي: رجل خَاصم رجلا فِي دَار أَو فِي حق ثمَّ إِن هَذَا الرجل شهد عَلَيْهِ فِي حق آخر جَازَت شَهَادَته إِذا كَانَ عدلا اه.

وَاعْلَم أَنه لَو شهد على رجل آخر فخاصمه فِي شئ قبل الْقَضَاء لَا يمْتَنع الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ إِلَّا إِذا ادّعى أَنه دفع لَهُ كَذَا لِئَلَّا يشْهد عَلَيْهِ وَطلب الرَّد وَأثبت دَعْوَاهُ بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو نُكُول فَحِينَئِذٍ بطلت

<<  <  ج: ص:  >  >>