للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهَادَته، وَهُوَ جرح مَقْبُول كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَيَان الْجرْح.

الْخَامِس: إِذا قُلْنَا: لَا تجوز شَهَادَة الْعَدو على عدوه إِذا كَانَت دنيوية هَل الحكم فِي القَاضِي كَذَلِك حَتَّى لَا يجوز قَضَاء القَاضِي على من بَينه وَبَينه عَدَاوَة؟ لم أَقف عَلَيْهِ فِي كتب أَصْحَابنَا، وَيَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِيهِ على التَّفْصِيل: إِن كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ يَنْبَغِي أَن لَا ينفذ، وَإِن كَانَ بِشَهَادَة الْعُدُول وبمحضر من النَّاس فِي مجْلِس الحكم بِطَلَب خصم شَرْعِي يَنْبَغِي أَن ينفذ.

وَفرق الْمَاوَرْدِيّ من الشَّافِعِيَّة بَينهمَا بِأَن أَسبَاب الحكم ظَاهِرَة وَأَسْبَاب الشَّهَادَة خافية.

بَحر.

وَقدمنَا أَوَائِل الْبَاب أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مُعْتَمَدَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: عَدَمُ قبُولهَا على الْعَدو، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْعَدَاوَةُ لَا الْفِسْقُ، وَإِلَّا لَمْ تقبل على غير الْعَدو أَيْضًا.

ثَانِيهِمَا: أَنَّهَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا فَسَقَ بهَا، وَاخْتَارَهُ ابْن وهبان وَابْن الشّحْنَة فَرَاجعه، وَكَذَا تقدم فِي أول الْقَضَاء الْكَلَام على ذَلِك فَارْجِع إِلَيْهِ.

وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيُّ: سُئِلَ فِي شَخْصٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَقَالَ إنَّهُمْ ضَرَبُونِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَحَكَمَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْخُصُومَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَهَلْ تُسْمَعُ؟ الْجَوَابُ: قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً، وَهَذَا قَبْلَ الْحُكْمِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ نَقْضِ الْحُكْمِ، كَمَا قَالُوا: إنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ، فَإِذا قضى لَا ينْقض اه.

لَكِن يُعَارضهُ مَا قدمْنَاهُ آنِفا عَن الرَّمْلِيّ، وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه.

وَأَقُول: وَقِيَاسه يَقْتَضِي أَن العصبية كَذَلِك، فَلَا ينفذ قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَتِهِ لانه الَّذِي يبغض الرجل لكَونه من بني فلَان أَو من قبيلته كَمَا فِي معِين الْحُكَّام اه.

أَقُول: وَقدم الشَّارِح عبارَة اليعقوبية أول الْقَضَاء وأقرها سَيِّدي الْوَالِد، وَكَذَا الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فَتَاوَاهُ فَتنبه.

قَوْله: (فَتقبل لَهُ لَا عَلَيْهِ) هَذَا يُفِيد قبُولهَا لغير عدوه إِذا لم يفسق بِهِ كَمَا يَأْتِي.

قَوْله: (وَاعْتمد فِي الْوَهْبَانِيَّة والمحبية قبُولهَا الخ) قد علمت مَا تحصل مِمَّا سبق أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَإِن كَانَ عدلا وعد نَفاذ الْقَضَاء بهَا، وَالْمَسْأَلَة دوراة فِي الْكتب فاحفظه.

قَوْله: (مَا لم يفسق بِسَبَبِهَا) وَهِي الرِّوَايَة المنصوصة والاطلاق اخْتِيَار الْمُتَأَخِّرين.

وَفِي الْقُهسْتَانِيّ مَا يُفِيد أَن مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ هُوَ الصَّحِيح فِي زمانهم وزماننا اهـ.

وَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ مَا قيل فِي مدمن الْخمر من الاشتهار ط.

قَوْله: (قَالُوا والحقد فسق للنَّهْي عَنهُ) فسره فِي الطَّرِيقَة المحمدية بِأَن يلْزم نَفسه بغضه وَإِرَادَة الشَّرّ لَهُ.

وَحكمه: إِن لم يكن بظُلْم أَصَابَهُ مِنْهُ بل بِحَق وَعدل كالامر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَحَرَام، وَإِن كَانَ بظُلْم أَصَابَهُ مِنْهُ فَلَيْسَ بِحرَام، وَإِن لم يقدر على أَخذ الْحق فَلهُ تَأْخِيره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.

قَالَ الله تَعَالَى: * (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ من سَبِيل إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين

يظْلمُونَ النَّاس ويبغون فِي الارض بِغَيْر الْحق أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب أَلِيم) * (الشورى: ٤١ - ٤٢) وسَاق للنَّهْي أَحَادِيث دَالَّة عَلَيْهِ.

مِنْهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيك فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَك.

وَمِنْهَا قَوْله

<<  <  ج: ص:  >  >>