للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وربما يكون مراده بقوله: (بعد رجوع المسلمين من الغزو) أي عندما شرعوا في ابتداء الرجوع أو عندما اقتربوا من المدينة، وعلى هذا ففي الزمن متسع، وحينئذٍ ينتفي الإشكال.

وبناءً على ما قاله ابن عاشور وهو أن نزول الآيات سبق حدوث السبب، وهو الاعتذار والحلف، فإنه لا يقال حينئذٍ إن اعتذارهم سبب لنزول الآية الكريمة كما هو معلوم.

وعندي أن القسمة في تلك المسألة لا تخرج عن واحد من ثلاثة:

الأول: أن الآيات نزلت قبل اعتذارهم.

الثاني: أن الآيات نزلت بعد اعتذارهم مباشرة.

الثالث: أن الآيات نزلت بعد اعتذارهم بمدة.

فأما الأول: فيترتب عليه انتفاء القول بالسببية لأن الآية إذا سبقت الحدث فإنه لا يكون سبباً لها.

وأما الثاني: فيعكر عليه سياق الآيات وحديثها عن المستقبل، والسين الداخلة على يحلفون فإنها للتنفيس والمهلة.

ويؤيد هذا أن الحديث خلا من ذكر النزول بعد اعتذارهم مباشرة من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحدث كهذا حري بالحفظ والضبط لو كان قد وقع.

وأما الثالث: فيرد عليه ما يرد على الثاني من الحديث عن الاستقبال، ولولا سين التنفيس لأمكن الخلاص من الاستقبال هنا بمثل قوله تعالى: (فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا)، أي فريقاً قتلتم، وفريقاً أسرتم، فعبر عن فعل مضى بفعل الاستقبال.

ولعل مما يؤيد الثالث وينهض به سياق حديث كعب حيث قال: وكنا أيها الثلاثة الذين خلفوا عن الأمر الذي قُبل من هؤلاء الذين اعتذروا حين أنزل الله لنا التوبة، فلما ذكر الذين كذبوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المتخلفين، واعتذروا بالباطل ذُكِرُوا بشرِّ ما ذكر به أحد قال الله سبحانه: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ).

<<  <  ج: ص:  >  >>