للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٦٢- هذه متابعة لأصحابه الذين هاجروا إلى النجاشى، وهى متابعة الرحيم الحانى الذى يريد الاطمئنان على أصحابه الذين هاجروا إلى تلك الأرض النائية، ومازال بملكهما حتى صار فى صفهم، وطابت إقامتهم، وكرمهم تكريم الإخوة، لا تكريم العادل فقط.

هذه متابعة الأولياء، أما متابعة الأعداء، فقد كانت على النقيض من ذلك، لم يكتفوا بأن أخرجوهم من ديارهم وأموالهم، بل أرادوا النكاية بهم، وأن يجعلوا المهجر يلفظهم، كما لفظوهم لأنهم رأوهم ينشرون الإسلام ويمدون ظلاله الوارفة، فدفعتهم العصبية الجاهلية لأن يفسدوا عليهم طيب الإقامة، والقرار، واستقامة أمورهم، فأرسلوا من يحاول إفساد النجاشى عليهم.

قال ابن إسحاق: لما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد استقروا واطمأنوا بأرض الحبشة، وأنهم قد أصابوا بها دارا وقرارا ائتمروا بينهم أن يبعثوا فيهم منهم رجلين من قريش جلدين إلى النجاشى فيردهم عليهم، ليفتنوهم فى دينهم، ويخرجوهم من الأرض التى اطمأنوا بها، وآمنوا فيها، فأرسلوا عبد الله بن أبى ربيعة وعمرو بن العاص «١» ، وأرسلوا معهم هدايا يدفعونها للنجاشى ليغروه بها.

ولقد أزعج المهاجرين الأبرار. روى عن أم سلمة أنها قالت: لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خير جار النجاشى أمينا على ديننا، وعبدنا الله تعالى، ولا نسمع شيئا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشى فينا رجلين منهم جلدين، وأن يهدوا النجاشى هدايا مما يستطرف من متاع مكة ...

فجمعوا أدما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن ربيعة وعمرو بن العاص، أمروهما بأمرهم، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته، قبل أن تكلما النجاشى فيهم، ثم قدما إلى النجاشى هداياه، ثم سلاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم ... فخرجا حتى قدما على النجاشى ونحن عنده بخير دار، عند خير جار «١» .

لقد نفذ الرسولان ما أوصاهما به قومهما، وقدموا لكل بطريق هديته وذكروا عند إعطاء كل واحد هديته، أنه جاء إليهم غلمان من سفهائهم فى زعمهم، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا فى دينكم، وجاؤا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردوهم، فإذا تكلم الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فوعدهم البطارقة بما طلبوا.

مهدوا للقاء الملك ذلك التمهيد القائم على رشوة البطارقة، ثم التقوا بالنجاشى، وقدموا هداياهم قبل أن يتكلموا، ثم تكلموا فى غيبة المهاجرين، فقالوا:


(١) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>