للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أيها الملك انه قد ضوى «١» إلى بلدك منا سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا فى دينك، وجاؤا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من ابائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلى «٢» بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه.

عندئذ تكلم البطارقة، وحركت الهدايا لهواتهم، فقالوا: صدقا، أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما، ليرداهم إلى بلادهم.

أحس النجاشى بالحملة الباطلة، فرد الكيد ردا حاسما وقال: لا أسلمهم إليهم ولا يكاد قوم جاورونى، ونزلوا بلادى واختارونى على من سواى، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذا فى أمرهم، فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاورونى.

ذلك هو القول الحق من حاكم عادل، ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله ليواجههم الرجلان، جاؤا، ودعا الأساقفة.

قال لهم: ما هذا الدين الذى فارقتم به فيه قومكم، ولم تدخلوا به فى دينى (وكان لا يزال نصرانيا) ولا فى دين أحد من هذه الملل؟.

فرد عليه جعفر بن أبى طالب قائلا: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنواحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن واباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور ... فعدد عليه أمور الإسلام. ثم قال: فصدقناه وامنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله واحده، فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان ... وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورغبنا فى جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك.

قال النجاشى- متعرفا دارسا-: هل معك مما جاء به عن الله شيء «٣» .


(١) ضوي معناها لجأ.
(٢) أي أبصر بهم
(٣) الخبر بطوله روته أم المؤمنين أم سلمة، وقد تصرفنا في بعض الكلمات تصرفا لا يخرج الخبر عن ألفاظه.

<<  <  ج: ص:  >  >>