للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما القسم الثاني: فإن الطلاق يكون محرماً في حالتين أيضاً:

احداهما: أن يطلقها فراراً من إعطائها حقها، كما إذا كان تحته أكثر من زوجتين فأعطى بعضهن حقوقهن في القسم حتى إذا جاءت نوبة واحدة طلقها قبل أن يقسم لها، لأن ذلك ظلم لها فلا يحل له أن يطلقها قبل أن يعطيها حقها. الحالة الثانية: أن تكون عفيفة مستقيمة وله فيها رغبة ويخشى على نفسه الزنا إذا طلقها لعدم قدرته على غيرها فإن في هذه الحالة يحرم عليه تطليقها، وقد مثل بالأول الشافعية وبالثاني المالكية، وكلاهما حسن لأن الغرض درء المفاسد بقدر المستطاع، فهذه هي الأسباب التي ترجع إلى الزوج وبها يجب عليه الطلاق، أو يحرم. أما الأسباب التي ترجع إلى الزوجة، فإنها تارة تكون متعلقة بعرضها ودينها وتارة تكون متعلقة بعدم صلاحيتها للاستمتاع، فإن كان الرجل يرتاب في سلوك المرأة، أو اعتقد أنها زانية بالفعل أو كانت فاسقة بترك الصلاة ونحوها من الفرائض فإنهم أجمعوا على أنه لا يجوز للرجل أن يمسكها متى عجز عن تقويمها وتربيتها، إلا أنهم اختلفوا في عدم الجواز، فقال بعضهم: إنه يحرم عليه إمساكها ويجب عليه طلاقها، وبعضهم قال: إنه يكره له إمساكها، ويسن له طلاقها والأول مذهب الحنابلة، ويظهر أن الذين قالوا بالكراهة فقط نظروا إلى ما عساه أن يترتب على تطليقها من شر وفساد يلحق الرجل، فربما كان متعلقاً بها لا يستطيع أن يسلوها فيضطر إلى معاشرتها بالحرام، أو يكون غير قادر على ضبط نفسه وليس لديه من المال ما يتزوج به غيرها فيقع بسبب طلاقها في الزنا، ومثل هذه الأمور تحتاط لها الشريعة الإسلامية كل الاحتياط.

فليس من محاسن التشريع الإسلامي المشهور بدقته أن يكون فراقها حتماً لازماً، لأن النفوس تتفاوت. وحاجات الناس تختلف. فمن كان قوي الإرادة ذا غيرة وحماس فإن الشريعة تشجعه على طلاق فاسدة الأخلاق وتقول له: إن لك عليه أجراً، ومن كان ضعيف الإرادة يؤذيه طلاق امرأته فإنها لم تحتم عليه طلاقها وذلك هو أعدل الموازين، أما أنا فأميل إلى ما ذهب إليه الإمام أحمد من أن المرأة فاسدة الأخلاق إذا عجز زوجها عن تقويمها ويئس من اصلاحها، وعلم أنها غير مصونة العرض، فإن طلاقها يكون واجباً وإمساكها يكون محرماً. فإن الرضا بها معناه الرضا بتكوين أسرة فاسدة تضر المجتمع الإنساني، إذ المرأة الفاسدة لا يقتصر ضررها عليها وحدها، ولكنه يتناول أولادها ومن يتصل بها، ومثل هذه يجب على الناس كلهم أن ينبذوها ولا يتخذوها أماً لأولادهم ولا مربية لأبنائهم وبناتهم، وهذا هو الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>